العصافير ليست من سُلالة الرياح .. هايكو عربي

17 يوليو 2018
العصافير ليست من سُلالة الرياح .. هايكو عربي

العصافيرليست من سُلالة الرياحهايكو عربي

                      للشاعر  عِذاب الركابي

                         قراءة – د. رمزي بهي الدين

  •              
    بعد “ما يقوله الربيع” و “رسائل المطر” ..

– عصافير الرِّكابي تغردُ في سماء الهايكو العربي ، لتؤكد أحقيته في الريادة لهذا الفن ..!

– في ديوانه الجديد “العصافير ليست من سلالة الرياح“* يؤكد  عِذاب الرِّكابي علي وحدة الكون وضرورة الإصغاء لصوت الطبيعة بمفرداتها .

– عشق الطبيعة والنزعة الصوفية يسيطران علي معظم قصائد الديوان .

– القصائد رسائل قصيرة جداً ، تدعو إلى نبذ الكراهية والظلامية والتمسك بأَهداب المحبة والنور ، ولا تخلو من لمحات أو إيماءات سياسية ، تدعو إلي الاعتداد بحرية الأَوطان .

عِذاب الركابي 

    بعد أن أَتحفنا الشاعر والناقد الكبير – عِذاب الرِّكابي ، بتجربته الجادة والجريئة والرَّائعة أيضاً ، في ديوانه الأَول في الهايكو العربي Arabic Haiku – “ما يقوله الربيع” والصادر عن “دار ميريت بالقاهرة 2005″ – تلك التجربة التى كان لها أَصداء واسعة لدى القُرَّاء والمتخصصين في فن الشعر ، جاءت تجربته الثانية”رسائل المطر” – طِ أولى – دار الأَدهم بالقاهرة 2015 ، وطبعة ثانية – الشارقة – مجلة الرَّافِد الإمارتية 2016 ، ليؤسس بذلك لهايكو عربي خالص ، ويثبت أَحقيته عربياً في الرِّيادة لهذا الفن .. نعم لقد كانت هناك محاولات لعديد الشعراء العرب في هذا المضمار ، إلا أنها لم تكن مكتملة ، بل جاءت متناثرة أَحياناً في بعض أعمالهم الشعرية ، ولم تكن بهذا النضج والعمق الذى جاء في هايكو الرِّكابي .

التأَسيس :

يقول هولدرلين “إن الشِّعر تأسيس” ولما كان الهايكو العربي يؤسس للقصيدة اللقطة – كما يقول الرِّكابي – “القصيدة التى تُقرأ بالعين والقلب معاً ، بل بكامل الجسد وبكل طقوس الصمت المُقدَّس القريب من الصلاة والخشوع ، وفي ذهول هو الأَقرب إلي ذهول مُغرم بتفاصيل أُنثي ، وُلدت من رَحِم قرنفلة جريحة .. إنه هايكو جديد ، يُقرأُ في تأَملٍ سيميائي ، يُنْبئُ بالكثير ..” ويضيف الرِّكابي : “ولما أَصبح هناك هايكو إنجليزي وألماني ونرويجي وغيرهم ، وردت لديَّ فكرة صَوغ وإضافة هايكو عربي ، من خلال ما قرأَت من نماذج الهايكو اليابانية والعالمية ..” المقدمة صـــ2/3 

وبعد ذلك وفي العام 2017 نجد الرِّكابي يفاجئنا بديوانه الرائع “العصافير ليست من سلالة الرياح” – الذي صدر بالقاهرة عن (الدَّار) للنشر والتوزيع ، ليؤكد بذلك صدارته وريادته لهذا الفن الشعري الراقي والرائع أيضاً .

       وفي الحقيقة أن هذا الديوان ، يُعَدُّ تحفة شعرية باذخة ، في الهايكو العربي ، وهو يضم بين دِفتيه أكثر من مائة وعشرين صفحة من القطع المتوسط ، لم يترك فيها الرِّكابي مفردة من مفردات الطبيعة إلا ورصدها في حركاتها وسكناتها وتفاعلاتها وانفعالاتها ، وكتب عنها .. لقد كتب عن : ظلمة الليل وضوء النهار ، وعن الزهور والورود والأشجار وعن الأمواج والبحار والأنهار ، وعن فصول السنة وأنفاس الفجر ومِزاح الأَطيار ، حتي نقيق الضفادع وغيرها ..!! 

     وعن قصيدة الهايكو العربي يقول الرِّكابي .. “قراءة هذه القصيدة والاصطياف في عوالمها يشبه تماماً الدخول والانتشاء في نسمات واحة .. يخلق علاقات جديدة ، مباركة ومُزْدانة بعطر الطبيعة ، ومثابرة الفصول ، وأنفاس الفجر ، ومِزاح الطيور ، وأَحاسيس وردة تتفتح بلا رقابة ..”

     وفي إشارة إلي تعانق الزمان والمكان ، أو (الزمكانية) في قصيدة الهايكو ، يقول الرِّكابي : ” .. حيث يتداخل الزمان والمكان ، يتبادلان المواقع والمهام ، في إيقاع شعري باهر غير مسبوق ، عافه شعراء الهايكو الياباني ، وأغرم به حتي الذهول ، شاعر الهايكو العربي ، وهو يعيش (زمن لغة كونية) .. لغة بإمكانها خلق العالم ، اختصاره ، تشكيله ، أو خلق عالم ٌ مخمليٌّ جديد ، دستوره جمال الإيحاء ، والخيال المبتكر ..” المقدمة صـــ3

    ومع أَن الرِّكابي هو شاعر وناقد كبير ، له الكثير من الدواوين والأعمال الشعرية المعروفة ، إلي جانب الكثير من الدراسات الأدبية النقدية ، في مجال الشعر والقصة والرِّواية ، لعديد الكُتَّاب والأُدباء والشُّعراء بأَنحاء الوطن العربي ، إلا أنه يبقى دوماً العاشق المتيم للطبيعة Nature ، المضروب بها ، والمسكون بمفرداتها ، الناسك المتعبد في محرابها والمُقدِّس أيضاً لأسرارها ومكوناتها ..!! 

لقد تأمل شاعرنا في الكون Universe والطبيعة Nature تأملات طويلة وعميقة ، أَفضت إلى صداقة وحميمية غير عادية ، أنتجت عشقاً وولهاً دائمين ، ترجمه الشاعر بقلمه إلي لوحات ولقطات شعرية رائعة ، أسعدتنا وأضفت البهجة والمرح والسرور واليقظة ، على عقولنا وقلوبنا وأرواحنا وأجسادنا أيضاً .

     وفي “العصافير ليست من سُلالة الرياح ، والذي له طعم ومذاق ورحيق عمق التجربة ، نجد أن قصائد هذا الديوان ، جاءت جميعاً ، وكأنها قصيدة واحدة ، فلا عنوان للقصائد أو لهذه (الهكائد) إلا عنوان الديوان ، لتنساب منذ الصفحة الأولى وحتى آخر الديوان و كأنها قصيدة عنقودية طويلة يتفرع منها أفرع كثيرة ، وأَصلها واحد ، وهذه الأفرع جميعها تشير إلي موضوع واحد رئيس ، هو الكون أو الطبيعة وكأنما الشاعر يريد هنا أن يقول لنا : إن الكون كله بمفرداته جميعها ، إنما هو كلٌ واحد ، وأنه في حركة دائبةٍ ، لا تتوقف أبداً ، وإن الإنسان بكل ما أُوتي من قوة ، إنما هو مفردة من مفرداته الغزيرة ، وأن الكون يمضي في حركته وتفاعلاته وانفعالاته وصيرورته وأحاديثه وحواراته ، دون أن يُلقي بالاً أو يعطي اهتماماً ، لأي اعتراض قد يصدر من جانب الإنسان ، وكأنه / الكون ، يريد أن يقول للإنسان ، انتبه .. فأنت لست وحدك في هذا الكون الرَّحب الفسيح ، فيجب أن تعلم أن هناك مخلوقات أخري كثيرة ، تشاركك الحياة ، وتلك نزعة طبيعية صوفية سنتحدث عنها ، بعد أن نعرض لبعض اللقطات من الديوان .. يقول الرِّكابي :

تغضب العصافيرُ 

عند ذِكر حسناتِ 

الرياحِ 

ولا تميل إلي صداقتِها ..! صـــ9

ويقول أيضاً :

العصافيرُ والبلابلُ 

متفقانِ

على أنَّ صداقة

العواصفِ

كذب ..

ووهم ..! صـــ11

وهذا الكلام يتفق مع عنوان الديوان .. “العصافير ليست من سلالة الرياح” .. كما يتفق أيضاً مع العقل والمنطق .. نعم .. فالعصافير والبلابل والأَطيار الرقيقة الجميلة والضعيفة أيضاً لا يمكن أن تكون صديقة أو مُحبة للعواصف والرياح التي يمكن أن تكون من أَسباب هلاكها ودمارها ، إذ كيف أثق أو اطمئن إلي من يكون سبباً في دماري ، بل ويقف حجر عثرة أمام حريتي وانطلاقي وتحرّري من القيود ؟! فهذا ليس من العقل والمنطق بأى حالٍ ..!!

الاستقرار والأَمان :

ولأَن العصافير والأَطيار الجميلة الرقيقة ليست من سلالة الرياح ، فهي تهوي وتعشق الاستقرار ، لأن فيه الأَمن والأَمان ، اللذان يتناسبان وطبيعتها ، ويتنافيان مع طبيعة الرياح والعواصف التي تحمل أدوات الهدم والغدر والتهور والتهجم والتجهم أَيضاُ ..!!

يقول الرِّكابي :

يحسد

العصفور الوحيد 

غصن الشجرة علي استقراره ..! صـــ12

الفصول الأَربعة أَو الموسمية : 

   ولما كان التوجه إلي الفصول أو المواسم الأَربعة التي تمرّ بنا على مدار العام هي من المميزات الأَساسية في شعر الهايكو ، حيث من الضروري أن يُضَمِّن شاعر الهايكو قصائده إحساساً بفصلٍ من تلك الفصول ، فإن المقصود بذلك هنا هو “أن يتحد الشاعر مع الطبيعة ، للوصول إلي جوهرها حتي يظهر الجمال الداخلي للفن والطبيعة معاً .. إن الطبيعة يقظة ويهم الإنسان أن يصغي إلي ظواهرها ..” ومن تلك الظواهر ، تعاقب الفصول الأَربعة .. يقول الشاعر :

الشتاءُ

يثمر ربيعاً ،

الربيعُ

يُنهي أَحلامَهُ صيفٌ ،

الصيفُ ،

بلا سلام ،

يترك كرسيَّ السلطة

للخريفْ ..!! صــــ23

الليلُ والضَّفادع :

وفي هذه اللقطة يقول الرِّكابي : 

الليلُ باذخٌ في سكونه

وهو يحرسُ

 نومَ الضفادع صــــ 29

وفي لقطة أخرى لليل والضفادع يقول :

أَصوات الضفادع

ليلاً .. دليل 

على سهرِ  الطبيعــة – صــــ ـ49

وكأنَّ الشاعرَ ، يدعونا إلي ضرورة الاهتمام والإصغاء لكلّ ظواهر الطبيعة ، حتي ولو كانت تلك الظواهر هي صوت نقيق الضَّفادع ، لأنها من مكونات الكون والطبيعة ومفردة من مفردات الخلائق التي خلقها الله عزَّ وجَلَّ وشملها بعنايته ورعايته .

قُدْرة الخالق وعظمته :

وفي إشارة صوفية خالصة ، إلى قدرة وعظمة الخالق الذي خلق كلّ شيءٍ يقولُ : 

وتفخر .. 

قطرة المطر 

بكهرباء أَصابع

الخالق ..! صــــ44  

   حيث نجد أن الله عَزَّ وجلَّ بقدرته يُنزل المطر ، الذي هو من أَسباب الحياة ، ويسبق هذا المطر غالباً البرق / الكهرباء الرَّبانية ، والتي تعتبر الإنذار الإلهي ، لهطول المطر / رمز الحياة .. ومن هنا نجد أن قطرة المطر تفخر بأنها مشمولة بعناية وقدرة الله ورعايته وأن الله جعلها سبباً للحياة ، وأن نزولها إلى الأرض يسبقه إنذار إلهي ، وهذا كله يٌعدُّ مثار تكريم من الخالق يستحق الفخر والاعتزاز .

دعوة إلي الثقة بالخالق :

ويدعونا الرِّكابي من خلال عدة لقطات أخرى إلى الثقة بالخالق وتأمل أحوال المخلوقات والتفاؤل لصوت الطبيعة ، حيث يقولُ : 

ثق ..

في نبوءة

الغيمة الماطرة

تملك

بستانـاً .. صــــ60

تأَمل ..

نحلة تتناسل

تجد

أمام بيتك  .. نهرَ عسل ! صــــ61

     فالغيوم والسحب تحمل أمطاراً ، إذا ما نزلت علي أَرض جدباء فإنها تثمر البساتين والجنات والأَشجار ، ويجب أن نكون علي ثقة بذلك لأن الذي ساقها إلينا هو الخالق عَزَّ وجَلَّ وهنا نجد تناصاً قرآنياً مع آيات الذكر الحكيم وهي كثيرة في القرآن الكريم .. “الذي جعل لكم الأَرض فِراشاً والسماءَ بناءً وأنزل من السماءِ ماءً فأخرج به مِن الثمراتِ رزقاً لكم ..”- البقرة -23

أَفرأيتم الماء الذي تشربون . أَأَنتم أَنزلتموه من المُزن أَم نحن المنزلون“- الواقعة-69 

وفي هذا دعوة إلي التفاؤل بالغيوم الماطرة ، التي تنزل المطر ، الذي جعل الله تعالى منه حياة كل شيء “وجعلنا من الماءِ كل شئٍ حي .

    وكذلك يدعونا إلي التأَمل بالنظر لأَحوال النحل في سعيه ودأَبه وتناسله ونشاطه الدائم ، لنتعلم منه الصبر والنشاط وعدم الركون أو الخلود إلي الكسل ، وإذا كان ذلك ، فسوف تكون حياتنا حلوة سعيدة هنيئة رغدة ، نتيجة للثقة التي تُولِّد الاطمئنان والتفاؤل الذي يولِّد الأَمل ، والتأَمل الذي يُولد الحكمة .

عَدْلُ الطبيعة :

ولأَن الطبيعة Nature هي من صنع الخالق عَزَّ وجَلَّ فهي تحمل صفة العدل Justice أما ما صنعه الإنسان فمن الممكن ألا يكون عادلاً ، وإذا كان قانون الطبيعة عادلاً فذلك لأنه من صنع الخالق ، أما الحروب التي هي من صنع البشر فلا تتسم بالعدل ، ومن هذا المنطلق يدعونا الشاعر إلي تحري العدل والابتعاد عن الحروب المقيتة ، فيقول : 

عادلةٌ ..

في قانونها 

قطرة المطر ..

وليست ..

عادلة هي الحروب ..! صــــ65

   ويقول الرِّكابي أن قصيدة الهايكو لا تتكئ علي إيقاع الطبيعة لتخلد فحسب ، بل لتكون حياة ، وفرحاً ، وحلماً ، علي نقيض إيقاعات تفعيلات القصائد الأخري ، المسكونة بالشك واللا يقين ، رغم اجتماع القصائد جميعها علي مائدة الحروف والأجراس وبساط النبؤات ..” المقدمة صــــ4

حقائق وثوابت :

      والرِّكابي في قصائده هنا ، إنما هو متأَثر إلي حد بعيد بثقافته الإسلامية ، حيث يشير إلى حقائق وثوابت إلهية مثل الحياة والموت ، والليل والنهار ، وصيرورة الحياة ، والحياة الأخروية وديمومتها ، حيث الإقامة الدائمة والمستقر الأخير للبشر ، وحيث لا تنقطع الثمار ولا ينقطع عطر الزهور وضوء النجوم ، وكل هذه الأشياء إنما صنعها الله تعالى للبشر في تلك الحياة الأَبدية ، حيث لا يأس ولا ظلم ولا ظلام .. يقول : 

يحمل اسم الشجرة 

ثمرها 

ويحمل اسم النجمة 

ضوؤها ،

ويحمل اسم الزهرة 

عطرها ،

وتأبي الحروفُ

أن تشكل اسماً

يُذكِّر بالظلام ..!! صــــ34

روح الفكاهة والمرح :

والديوان لا يخلو من الترفيه والدعابة والفكاهة والمرح في بعض القصائد وذلك بهدف إظهار الفروق بين الأَشياء وليس بقصد الازدراء أو السخرية من المخلوقات .. ففي صــــ43 يقول :

غيرُ ممكنٍ

أن تنافس الباذنجانةُ

البرتقالةَ

علي لقبِ

ملكة الجمال ..!

الوطن :

وفي زخم الحديث عن الطبيعة والكون لم ينسَ الرِّكابي – كما تعودنا منه دائماً – الوطن ، ذلك الغائب الحاضر في معظم كتاباته ، ولِمَ لا وهو العاشق دوماً للوطن والحرية ، فعنده تصبح الأرض / الوطن ، أسطورة حنان ، إذا كان هذا الوطن يتمتع بالحرية .. يقول :

العاشقُ

أَكثر رقة بحضور 

الحبيبة ، 

الأَزهارُ

أروع عطراً بزيارة الفراشة ،

الأَرض 

أسطورة حنانٍ

والوطنُ حُرٌ ..!! صــــ86

وفي دعوة إلي نبذ الكراهية والظلام ، والتمسك بأَهداب المحبة والنور ، يقدم لنا الرِّكابي هذه اللوحة الفنية الرائعة التي يختتم بها ديوانه قائلاً :

الكراهية

والظلام

صديقان وقتيانِ ،

بينما 

النورُ والمحبةُ

صديقان أَبديان ..!! صــــ110

وفي النهاية تبقي كلمة ..

إن (هكائد الرِّكابي) هذه هي لوحات أو لقطات أو رسائل قصيرة جداً Mini – Messages يمزج فيها بين الوصف والتأَمل في لغة صوفية Mysticism شبيهة بالحكم والمواعظ ، تخلو من التكلف ، وذلك لينقل لنا ما يحسه ويشعر به ، بالكلمات الدالة الموحية وباللقطة التي تجعل الانسان يفكر دائماً في ذلك الكون وتلك الطبيعة ، ليغوص بعدها في تأملات دائمة متواصلة ، وهذا من شأنه أن يجعله في صلح دائم معهما ، وكأنه يريد أن يقول للإنسان وكل إنسان : إياك وأن تتسامق أو تتعالى أو تتطاوس أو تتكبر .. ويجب ألا تغتر بنفسك أو تتغطرس لأنك في حضور دائم في حضرة الخالق ، وأعلم أنك لست سوى جزء بسيط جداً ، في هذا الكون

 اللا متناهي ، المكتظ بالمخلوقات الأخرى ، التي خلقها الخالق الأول الأوحد – خالق كل شيء..!!

    ولما كان مصطلح الطبيعة Naturalism بوجه عام “يطلق علي النظريات الفلسفية التي تؤكد أن للطبيعة قانوناً بيولوجيا وأخلاقياً يمكن فهمه وإدراكه عن طريق دراسة الطبيعة ذاتها ، وليس عن طريق دراسة ما وراء الطبيعة / العالم الميتافيزيقي ، الذي لا يمكن إخضاعه للبحث العلمي .. وأهم خصائص هذه النظرية : أن الإنسان هو جزء من الطبيعة ، كما أنه في الوقت نفسه العنصر المدرك والواعي بها ، ولذلك فإن أي فهم لجوهر الطبيعة الجامدة أو الإنسانية ، لابد أن يتم من خلال عقل الإنسان وقدرته علي التفكير والتحليل والتجديد ” .

   ولما كان تأثير النظرية الصوفية Mysticism علي الأَدب بشتى فروعه ، لا يقل عن تأثيرها علي التفكير الديني ، حيث إنَّ أهداف الصوفية تتفق إلي حد كبير مع أهداف الأدب الإنساني الراقي ، كما أنها تدعو إل السمو والارتفاع بالنفس البشرية فوق تفاهات الحياة اليومية ، واهتمامات العالم الدينوي الذي لا يري من حياته سوى يومه المحدود بالزمان والمكان ، نجد أن “نفس المهمة يحاولها الأَدب بصفة عامة منذ أن عرفه الإنسان وأدرك أهميته في حياته ، والمعروف أن الوحدة العضوية التي تميز الأعمال الأدبية الناضجة عبارة عن تجسيد موضوعي لوحدة الكون التي تتمثل بصفة خاصة في علاقة الحب الصافي والنقي بين الخالق والمخلوق” .

     ولما كان “الأدب يتخذ مضمونه الأساسي من مشاعر الإنسان وآماله وآلامه ، ويجعل من أعماله الشعرية والمسرحية والروائية ، تجربة سيكولوجية تطهر وجدان الإنسان من كل الشوائب والرواسب الدنيوية ، وتساعده علي إدراك وحدة الكون“.

ولما كان كذلك “العمل الأدبي هو قطعة متجسدة من وجدان الأديب ، ويستطيع المتلقون الاستمتاع به دون معرفة شخصية بالأديب ، فإنه يمكن للإنسان أن يتحد مع خالق العالم دون أن يراه مرأي العين ، وذلك من خلال صنع يده ..”

   ولما كانت هايكو الرِّكابي يحمل كل تلك المعاني ، من عشق للطبيعة ومفرداتها ، ومعرفة واسعة وفهم عميق لإشاراتها ولغتها وحركاتها وسكناتها ، وحيث تظهر فيها ، الأنسنة Humanism .. وحيث نجد فيها الوحدة الكونية أو وحدة الكون في أجلي صورها ، وتلك ميزة وفرع رئيس في عقيدة “الزُّن .. وهذا الفرع عنوانه Sabi أي الوحدة وتماهي الذات مع الطبيعة ومكوناتها” .

نقول ولما كان ما سبق وغيره فإننا نستطيع أن نؤكد: أن الرِّكابي هو شاعر مسكون بالطبيعة ومضروب بها ، وأنه أستاذ متصوف ومعلم جاد ومثابر في مدرسة الطبيعة .

– الإحالات والمصادر :

1- “العصافير ليست من سلالة الرياح” – هايكو عربي – عِذاب الرِّكابي – الدار للنشر والتوزيع – القاهرة 2017

2- موسوعة النظريات الأَدبية – د/ نبيل راغب – الشركة المصرية العالمية للنشر – لونجمان – القاهرة 2003

3- الهايكو العربي تطوره ومميزاته – عِذاب الرِّكابي نموذجاً – هادي ثاني – إيران – مجلة أَدب ونقد – عدد يناير 2018

4- أنا صاحب أول تجربة في الهايكو العربي – حوار – رمزي بهي الدين – مع الشاعر العراقي – عِذاب الرِّكابي – جريدة القاهرة – العدد (653 )في 18 / ديسمبر 2012  و جريدة – الزمان اللندنية العدد ( 4395) في 8/ يناير 2013.

pastedGraphic.png

  • رد
  •  أو 
  • رد على الكل
  •  أو 
  • إعادة توجيه

إرسال

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    الاخبار العاجلة
    WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com