في دائرة النور
لينا شدود
—–
شاعرة من سورية
أنا ابنة الماء،
بالأحرى كنت نهرًا،
لكن إله الماء والهراوة في يده،
حكمَني بأن ضفة واحدة تكفيني.
لم أتمكن من طلب يد العون من أحد،
و لا من تقديم الأضاحي.
أفتقد ضفتي الثانية.
ــ ملأت سلّتي بمحار ناضج،
تدثّرت بمعطف من جلد الأيل،
و ولجَت ذلك الوادي الرهيب،
اتّكلت على سوار في المعصم ليحميني من
غضب روحه المعذّبة.
بلا مبالاة، مررت
أمام عينيه القاتلتين
ــ لم أجزع ــ
كنت أدرك أن وحشته فوق طاقته.
ــ على الشاطئ الرملي
أصداف فارغة،
أصداف بألوان البحر كلّها،
أصداف لا تخفي جوعها إلى أصوات الأرض،
إلى زعيق الطيور العائدة إلى أعشاشها،
وإلى الشذى المفرح لوجوه قمرية
دوّخها النور،
أصداف فارغة تفكّك حريق النجوم
إلى بشارات طيّبة.
ــ وأنا أصعد كان قلبي يخفق سعيدًا،
بينما كان النحيب داخلي يخبو رويدًا رويدًا.
لم أعد أطرح أسئلة على الصاعدين معي،
صرنا معلّقين بين السماء والأرض.
لا أحد على عجلة من أمره،
وكلّما اكفهرّ الفراغ من حولنا
كنا نصطنع هدوءنا، ونصعد ـــــــــــــ
نصعد..
ــ في دائرة النور سرنا متخاصرين
ونحن نتحاشى تلك العين القاسية بعد أن
فشلنا في إبطال سحرها.
فصرنا نرسم أقواسًا في الهواء لأسرها
وإبعاد الخفافيش عن وجهينا.
كم بدوتَ حينها قريبًا
في وقاركَ الصامت.
ــ تسأل الصغيرة:
هل تهت؟
يجيبها هلال مهموم منذ أن وجِد الكون..
لا تجزعي،
فقط، تحاشي الجذوع المقطوعة،
واتبعي شدوّ العصافير الليلية،
و حينما يعترضكِ نهر في أرض
يحفّها الشذى، سيخرج الفجر لأجلكِ
من كلّ صدعٍ في الهواء..
لا تجزعي.
ــ حينما كشفت لي النار عن عنقها العاري،
تحسّسته وجلة.
كم بدتْ مغلوبة بوجهها المدمّى،
وهي تٌجسّد أمامي صغارها..
ما بقي من صغارها.
لمّا ودَع سعارها تركتها تشرب من مائي،
وبعدما ارتوت فردَتْ لي نارَها
لأقطعها آمنة.
ــ من يأخذ بيد ناري المُنهَكة،
وهي تصرخ جوعًا،
وتدقّ على الأبواب الموصَدة،
مجروحة، تائهة، تناور
كي لا تفنى.
ــ نار تنسلّ من نار،
تجمع نثارها لتصير ضياء،
و من ثم تعود لترتجّ داخل النار،
و هي تنفخ من شواظها على
نيران أخرى كانت تكافح بلا هوادة،
و تتجمّع في الأعالي،
عيونها المخيفة مشدودة إلى نار أقوى..
من دم، وأعمدتها من نار.
ــ يا برهان النار ..
يا نار البشارة والنور
عمّديني في هيكلك،
أنا من ذريتك الخالصة،
حتى أنني صرت ألتهم حلقات نارك بحرفة نادرة،
كدرويش استبدل ذاكرته بذاكرة من نار،
فخطا على جمركِ راضيًا،
أو كإلاهة النار المقدّسة “فستا”،
و هي تبارك نيران العالم.
========
قصيدة خاصة بصحيفة قريش/ ملحق ثقافات وآداب
عذراً التعليقات مغلقة