سيد الروائح والأشياء..وتذكارات لامرأة السهو
عبدالله الهامل
__________________
شاعر من الجزائر
سيد الروائح والأشياء
نرفع لك الضراعة
ها نحن أيتامك المشردون على أرصفة العالم
آباؤنا تركونا وانطفؤوا
تبعنا أثرهم في هذي المفازة
لم يدلنا عليهم غير رماد وبراد شاي بالت فيه الضباع
يا سيد الروائح والأشياء في الأعالي أو المهابط
بوصلتنا لم تعد تشير ..
الجهات لا اسم لها
لم نعد نذكر غير لون عباءتك الحائل ورائحة البخور القديم
عدْ لنا وأنصفنا
آباؤنا أخذوا حتى نعالنا وباعوا أمهاتنا لجنود شرسين
عدْ يا سيدنا
وأغثنا بلمسة يديك
عد قد طفحنا والكيل غاض في سراب الصحراء.
***
سيد الروائح والأشياء
أضعْنا الخريطة
مبهمة تعاريجاها في الذاكرة
الجهات أيضا مبهمة
ومع ذلك سنمشي كعادة الرياح
على غير هدي
سنمشي:
الوديان جافة..
بوصلتنا الرياح
وأسماؤها ..
سنمشي.. وسنصادف أغوال الخلاء
والوحش السائر
سنصادف أطياف الذين عبروا:
الصيادون الأشاوس بالرماح الطويلة
وورقة التوت حول الخصر
بالصيحة الوثنية
حول الحجر المقدس..
سنمشي
ونترك تيهنا حبوب طلع وبذارا للشجر التائه مثلنا..
سيد الروائح والأشياء
ها أن الشعر لم يترك شاردة ولا واردة
إلا وقالها
ها إننا أضعنا الخريطة وتعاريجها
وأضعنا الجهات…
***
سيد الروائح والأشياء
أحفادك الحيارى
أصابتهم مسغبة
عين الشمس قلقة
نجمتان في سماء الأرض هنا
لا تدلان…
……
…..
وليمة لهذا الضجر.
***
سيّد الروائحِ والأشياء،
ارفعْ عنا هذا الحزنَ… خذه بعيدا… أحفادك تعبوا.
سيّد الروائح والأشياء،
لا حول لنا ولا قوة، اجمع عنا هذا الحزن وأحرقه في الخلاء.
***
سيد الروائح والأشياء
أضعت التوازن
كما يضيعه البهلوان ماشيا على الحبل…
الهاوية لا تغري تحت أعين المتفرجين
سيد الروائح والأشياء
سأصنع أجنحة من كلمات وأطير أعلى
سيد الروائح والأشياء
سأصنع الأجنحة حالا
تكفل أنت بأعين الجمهور..
…………………………………………………………………………………
***
تذكارات لامرأة السهو
قبل الحب
كلب بافلوف ينبح في الرأس بلا سبب واضح
قبل الحب
الأمكنة هادئة و الشمس هي الشمس
حتى الفأر الذي يحفر في حائط الذكريات
كان أليفا مثل قطة الدار
قبل الحب
لم تسقط تفاحة
و لا يوريكا
ذلك أن الأعمى بحواسه الأخرى كان يصل بيته سالما
مثل السكران الذي يعرف بابه بلا مساعدة نديم..
قبل الحب
الدمعة القديمة في عين القلب كانت في سبات.
***
يوم صافحتك أول مرة
علقت كفك اليمنى في لاوعيي الباطن كما تقول البسيكاناليز..
وما زال إلى يومنا
ملمس كفك اليمنى
عالق في ذاكرتي اللعينة…
***
أحبك بالكعب العالي
و بالصندالة أيضا…
أحب عطرك الخفيف
واللون الأخضر في القميص
أحب الماسكارا و أحمر الأظافر حين تضعين يدك على الطاولة لتشرحي أمرا
أحب أيضا أقراط الفضة تتدلى من أذنيك كأجراس
تتدلى تتدلى حتى جيدك
أحب حركة الأقراط حين أروي نكتة وتضحكين
وأحب أيضا- في ضحكك- ما يحدث لنهديك من ارتجاح…
أحب وقع أقدامك في الممر
وأحب صباح الخير من فمك
والسؤال عن الحال والأحوال
أحب عندما تعرفك عيني العشواء من بعيد
و تلقط أذني صوتك في الضجيج…
أحبك هكذا….الخ
***
ازدحم فيّ
اسمك
عطرك
وقع كعبك العالي
تلويحة يدك
صباح الخير من فمك
نظرة عينك إلي رقراقة
اهتزاز ردفيك وأنت تغادرين
هفهفة شعرك تلعب بها ريح خفيفة
عقدك المدلى على جيدك بأيقونة تينهينان
ازدحم فيّ تاريخك القديم وأنت تلعبين الحبل في حوش الجيران
وأنت تقطعين الشارع لتشتري الخبز وحليب الصباح
يدك الملطخة بالطباشير
والمئزر المدرسي بزر ناقص
ازدحم فيّ حبك القديم.
***
في المكتبة العامة
كان يجلس غير بعيد عنها
يختار الزاوية التي تجعلها في مرمى نظره
يده على خده بعين قليلة الرمش
يراها بالعين والأنفاس الحرى
عينها التي تضيء كلمات الكتاب
حركة رأسها
يدها التي تقلب الورقة وتعيد خصلة شعر نافرة إلى مكانها
قلم الرصاص على الطاولة تحمله مرة على مرة تضعه في فمها
ثم تخط به ملاحظة صغيرة على الكتاب
انتباهها لضجة خفيفة في المكان
ثم فجأة تنتبه إليه
يرتبك خجلا
أما هي فتبسم متخابثة
يقع قلبه
وينزع يده من على خده
ينظر إلى السقف
ويلهو بشيء في يده…
العاشق الخجول لشهور وهو هكذا
========
خاص بصحيفة قريش/ ملحق ثقافات وآداب / لندن
عذراً التعليقات مغلقة