الملكة التي تحبّها العصافير
عبد الفتاح بن حمّودة (ايكاروس)
_____________
شاعر من تونس
[ هنّأها الرّفاق القدامى بأغنية مؤلّفة من أدوات المطبخ
هنأتها الصّديقات بأظفار حمراء وقبّعات بيض
عيناها وراء الرجل الذي خرج من الحانة ليلا
عاتب روحها ووضع في كفّيها مسامير وضعتها في ظهره ]
احترق المغنّي
وبدلَ أن يقفز من البيت في الطابق السابع
رمى إليها وردة قانية
صارت الوردة أمطارا فوق شعر فاحم
طفلا يذهب إلى المدرسة صباحا دون أن يغسل أطرافه
وطفلةً تغني في طريق العودة أغنية عن أشجار اللّوز
[ نحن جيران النجوم
والذين يحبوننا نشعل لهم أصابعنا ]
هكذا ألقيت نجوما في طريق العودة من البحر
واحدة هتفت لي
ثانية بصقت على مؤخرتي في الشارع المؤدي إلى أقرب مقهى
و أخرى زقزقت فوق شجرة باردة أشفقتُ عليها
و منحتُها خدّي الأيمن لتنقره
أعشاش نحلٍ في جسدي
موسيقى سقطت قرب قدمي اليسرى
أخذتُ قطرة ضوء و وضعتها في فمي
كانت الأغنيات تتساقط مثل حبّات رمل
[ سأنسى العضّات المخجلة لمومسات اللّيل
ضحكهنّ اللاّمع و أسنانهنّ
طلاء شفاههنّ الأحمر و لمساتهنّ الضّاجّة ]
في الصباحات كانت المطريّات السّوداء كثيرة فوق الرّؤوس
و كانت كلّ نجمة تضع حذاءها في يديها لتعبر الطّريق
[ البارحة لم أطفئ أضواء الغرفة
نسيت النّوافذ مفتوحة
ستجدون قوارير كثيرة على عتبة البيت]
عندما تدقّون الباب بقبضاتكم المشمسة
لا تدقّوا بعنف فالباب الخشبيّ سيتألّم
ستجدون طائرين صغيرين في زاويتين
ضعوا للأوّل جبنا أبيض ونبيذا أحمرَ
ضعوا للثّاني مقلاة وأسماكا
أشعلوا النّيران لعنكم الرّبّ
عندما تصبح خطواتكم عسكريّة مثل موسيقى الرّجل الأبيض
سيكبر اللّيل الذي تحملونه في سلاّت همجيّة
ستضجّ العلبة السّوداء بعذارى يدخّنّ سنواتهنّ بشراهة
قدّموا لكلّ واحدة منهنّ نارجيلة بطعم التفّاح
[ سأقبل واحدة
سأرقص معها كثيرا
سأقدّم لها جبنا أبيض ونبيذا أحمرَ
ثم آخذها فجرًا فوق حصان أبيض ]
عندما تسمعون أزرارا همجيّة تسقط في الغابة
أشعلوا النّيران وغنّوا حتّى الفجر
مُتَعتَعين بخمور تنزّ من شواربكم
[ عندما عاد المغنّي
وضع معطفه المبلَّلَ من المطر وجلس فوق كرسيّ خشبيّ
كان يصفّر و أصابعه تدقّ فوق الطّاولة :
هذا هو المطر الخائف الذي ملأ عينيه
المطر الذي ملأ عينيها
سرقه اللّصوص فغنّى شامتا أثناء الفجر
دخل العاشق غرفتها
نتف الزّغب الأبيض من إبطيها
وضع عمامة زرقاء فوق خصرها
وغسل كفّيها بالفيروز ]
[ هذا ليس بستانًا للضّوء
شفتان محترقتان في البحر
هذا منديلها الأزرق يلوّح من نافذة البيت
و تلك عصافير يديها تأكل البلّور بلا شفقة ]
قالت لي سمكة :
امرُقْ في لجّة الفجر
لا تشرب سمّا في الأعالي
لا تلعن السّماء والأرض
[ عادت العصافير إلى أعشاشها
(…..)
في موانئ الصّباح
كانت الشّمس تزقزق للبحّارة العائدين بسلالهم ]
____________________
مقاطع من عمل شعري طويل، خاص بصحيفة قريش/ ملحق ثقافات وآداب – لندن
عذراً التعليقات مغلقة