عُــشــبٌ بـِـنُــبـلِ سـَـريــرة .. قصيدة للشاعر المغربي محمد شاكر

16 سبتمبر 2018
عُــشــبٌ بـِـنُــبـلِ سـَـريــرة  .. قصيدة للشاعر المغربي محمد شاكر

عُــشْــبٌ بـِـنُــبـلِ سـَـريــرة 

محمد شاكر 

شاعر من المغرب

بعضُ العشبِ ،

مِن سَقْط ربيعٍ ، أجْهَضناهُ ،

على باب ِ الحُلول ِ.

بَعْضُ العشبِ ،

يُذكرُني بِأخْضَر، نَسَيْناهُ ؛

في جائحة الموتِ.

بَعضُ العُشبِ ،

يعلِّمُني كيفَ أكونُ ،

بلَوْنِ الحياةْ .

بَعْضُ العشبِ ،

يفْرش ُ لي نمارقَ ، 

إذْ تَعَرَّتْ أرضُنا الجرداءْ .

بعضُ العشبِ ،

يمْحو سَوْءات ٍ لنا ،

بزينةِ الأزهارْ .

بعضُ العشبِ ،

يخلعُ  بُرْدَتهُ ،

على يُتـمِ الأمــداء ْ .

بعضُ العشب ِ،

يُرمّم سحراً، كسرْناهُ .

سالتْ به ،

جـِرارُ الوقتِ .

بعضُ العشبِ ،

يَبرقُ بالأخضرِ ،

يُحْيي رَميمَ الذاتْ .

بعضُ العشبِ ،

رسالة اعتذارٍ من ربيعٍ ،

تأخرَ في الوصول ِ،

إلى صَحارى الرُّوحِ.

بعضُ العشب ِ،

أعللُ النَّفسَ به ِ،

قبلَ أنْ يـَشْملني اليَبابُ .

بعضُ العُشبِ ،

الأخضَرِ،

أداري بهِ شُحَّ فصولٍ ،

غَيَّبتْ ربيعَ البلادْ .

بعضُ العشبِ ، 

بثَوْبه ِ الأخضرِ،

يَحْفظُ ماءَ وجهِ الأرض ِ.

بعضُ العشبِ ،

نَبَّهني ، لِطفلٍ

يُخبِّئُ في ثناياهُ ،

أسْرارَ يومه ِ الجَميل ِ .

بعضُ العُشبِ ،

عَثَرتُ بي ، فيه ِ

أطيرُ خلفَ فراشةٍ ،

بِلَوْنها  الجَليـل ِ.

بعضُ العشبِ ،

موجزُ عمرٍ طويل ِ ،

في النَّماء ِ.

بعَضُ العشبِ ،

تَنْشُرهُ ، ذاكرةٌ حُبلى’ بالربيع ِ ،

أزاهرَ، تــُتْلى’

ببَحَّـة ِ عِطْرٍ ،

ونوْرٍ غَزيرِ.

بعضُ العشب ِ،

بـِساط ٌ طائرٌ ، يَطوفُ بي ،

ربيعَ المَجَرّاتْ .

بعضُ العشب ِ،

هل يَبقى على قيْد الخُضرَةِ ،

في مُقبِلِ الأحلامْ..؟ 

بعضُ العُشبِ ،

إضاءةٌ خَضْراء ،

في غَسقِ اليَباب ِ .

بعضُ العشب ِ،

كأنِّي ، أنا ، في سالفِ الخُضْرة ِ،

والألوانْ . 

بعضُ العُشْب ِ،

هلْ ترْقى لُغتي ،

إلى خُضرَةِ مَعانيه ِ..؟ 

بعضُ العشب ِ،

ليتـــهُ..

يَمنَحُني عُنْفوانَ خُضرته ِ..

لأسمُقَ في الكلامِ ،

بِرقة ِ مَوْسم ِ، يكونُ لي . 

بعْض العُشبِ ،

يُلقي قـَصيدتهُ  الخَضراءْ ؛

وأنا الحُضورُ الوحيدُ ،

أصَفِّـقُ بِــِنَبْض ِ القَلب ِ. 

بعضُ العُشبِ ،

لو بادلني مَواسمَ العُمـر،

لعلي ، أخلعُ كهولتي 

في غفلةٍ ،

مِن دوْرةِ الحَيــاةْ .

بَعضُ العُشب ِ،

هلْ يَقْبَلني بجفافِ أحْوالي ِ ؛

لا تُضجرُه 

خششخة الأعطاب

في الأعماق .. ؟ 

بعضُ العُشب ِ،

أرْعى فيه نِمالَ خـَيالي ِ ،

كيْ لا يَضِلَّ الطريقَ ،

إلى مُبْتغاهُ ،

أو يَدوسَهُ حافرُ الموت ِ

في أخضر المجال. 

بعضُ العشب ِ،

أصيرُ فيهِ ، نَسْغًا

دافِق الشَّوق ِ،

أسْري في طراوة ِ الأنْحاء ِ

مُبتَهج التيار. 

بعضُ العشب ِ ،

يَفْتحُ لي صفحةً خضْراءَ،

من كتابِ الحُبِّ ؛

أقرؤُها ..

بإضاءَ ة ٍ خَفيفة ٍ في الروح ِ

وبوح ٍ عال. 

بعضُ العشب ِ، 

يُرْبكهُ ذبولي ،

إذْ يراني ، واقفاً ، بلا فَصل ِ. 

ولا ألوانْ.

بعض العُشب ِ ،

يُعلمنُي ، كيفَ أكونُ..

بَهــِيـّاً على الأرض ِ 

مثل أفنان ِ الزهر. 

بعضُ العشب ِ ،

فاقني إفصاحاً ،

عنْ طراوة ِ الإحساس ِ 

من غير شِعْر.. 

ولا ألحان.

بعضُ العشب ِ،

شاعرٌ، أراهُ ، يَشِفُّ

في ضمور ِ الرِّقة ِ ..

والبيان. 

بعضُ العشب ِ،

على شفا يباب ٍ ،

يُوَسّعُ مِن خُضرَةِ الأعماق ِ،

لا يَطولهُ خَرابُ العمر .. 

بعْضُ العشب  ،

كمْ يَلبثُ في عُزلته ِ الخضراءْ

ولا يَشْربهُ شحوبُ العصْـر ..؟ 

بعْضُ العُشبِ ،

أخْشى على بَراءته ِ، 

مِن مَنْسِم ِ الأحْوال ِ ، 

في وَحشة ِ القَفـر. 

بعُض العشب ِ،

لو تدومُ بَسْمتُه ،

على تجاعيد ِأرْض ٍ ،

غابَ عنها رُواءُ السِّحْـر .

بعضُ العشب ِ،

يُنسيني قسَمات ِ رمادٍ ،

مُحْدِق ٍ بالرّوح 

من غير جَمْـر .

 

بعضُ العشب ِ،

كأنْ لا أملَ سواهُ ،

في سريرةِ الوقت ِ

لانعتاق ٍ من الأسْر. 

بعضُ العشب ِ،

كأيِّ جزيرة ٍ ،

في خِضمِّ المَواتْ

تعلو على القهـر . 

بعضُ العشب ِ،

لأكتبَ رسالتي الأخيرة ،

لأخْضر الحياةْ 

قبلَ أن أثوى

في عتمة ِ القبر.

بعضُ العشب ِ،

قد يَعْتريه ِ ذبول ٌ ،

فأطـْوي لـَوْني 

في “ألبوم ِ” الذكرياتْ . 

بعضُ العشب ِ ،

آمُل ، لو يُكمِلُ غِطاءَ الوِدّ ،

على عورة ِ الأرض ِ. 

بعضُ العشب ِ،

جادّتي ، في انـْمِحاء ِالطريق ِ،

إلى مُدنِ الحُبِّ .

بعضُ العشب ِ ،

لو أنَّ مِنـْجلَ الحِقد ِ،

لا يذْبحُ أحْلامَه الخضراءْ

في حروب العصر . 

بعضُ العشب ِ ،

هل تكْفي جُبَّتَه الخضراءْ ،

سَوْءَات ِ أرض ِ

تغوص في الكفـر. 

بعضُ العشب ِ،

معي الآنَ..

بآصرة ٍ خضراءَ ،

شقْشقةُ الطيور ِ. 

تؤثث ُنَجوانا ،

في كنف ِ السِّتْـر.

بعض العشب ِ،

باستِفهامه ِ الأخْضر ،

يُفحمُ نبضَ القلب ِ،

فلا يُجيبُ رمادٌ

يلبَسُني ساعة العُسر .

لو تشرئب ِ المساحاتُ الخضراء

ضِدا على..

جبروت ِالحيطانْ

بادية الشر . 

بعضُ العشب ِ،

هو رغبةُ الأرض ِ ،

في الإفصاح ِ 

عن نُبْل ِ السَّريرةْ..

في زمن الكفْــرِ.

================

قصيدة خاصة لصحيفة قريش – ملحق ثقافات وآداب. – لندن 

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    الاخبار العاجلة
    WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com