مأزق.. قصة قصيرة للكاتب المغربي بوشعيب عطران

9 سبتمبر 2018
مأزق.. قصة قصيرة للكاتب المغربي بوشعيب عطران

 

مأزق 

 

بوشعيب عطران

_____________

 المغرب

 

“عليك أن تبدأ برؤية باطن الأشياء..لتكتب قصتك الحقيقية..”

– تمسك جيدا..  

– احذر الطريق..   

– افلت بجلدك..

تصلني و غيرها من أصوات تحذرني، تلاحقني، تتداخل فيما بينها، تشكل حاجزا مموها ، يزيدني حيرة في طريق أتخبط فيها وحيدا..   فزعا، مذعورا من رفرفة أجنحة طويلة، أشعر بظلالها تجري مسرعة ورائي، لكنها تختفي حالما ألتفت.. 

انخلع قلبي، ارتجفت ركبتاي، العياء يدب في أوصالي، اندفعت مرغما داخل الغابة، تحاشيتها طويلا لقربها من الخلاء ، الذي أصبح ملاذي منذ أن لفظتني المدينة.

خطواتي نفسها لكنها معكوسة، حاذيت جدارا سميكا ينتصب بداخل الغابة ، تلمسته بلهفة أبحث عن منفذ، الظل يقترب، يكبر شيئا فشيئا ، أنفاسه تحاصرني ، خليط من روائح تلفحني ، كانت تطاردني في أحلامي ، أغمضت عيني متأففا ، أحدق في جفني من خلالهما ،أرى الظلام يتحول إلى أشكال غريبة، تطفو في العتمة ، لا تلبث أن تختفي عندما أفتحهما ولا يختف الظل القابع أمامي.. 

احتكاك، صرير، انفتح باب في الجدار، دخلته متلهفا.. لم أكن خائفا هذه المرة ، لأن ذهني كان مركزا على النجاة، كما لم تكن هناك أماكن أخرى للهروب من هذا المأزق الذي وجدتني فيه..

غابت كل الأصوات ، حل صمت ثقيل ، تلاشى معها الظل تماما على إثر نور هائل ، كشعاع شمس حجز على مرآة.. تتبعت خيوطه الوامضة على عجل ، أفضى بي إلى دهليز متعرج قاتم ، انتهى بي إلى دائرة يتوسطها شكل هلامي لا ملامح له ، يسكن شقوق ذاكرتي ، لكن صعب علي تذكره في لحظة رعبي..

تسمرت أمامه ، لا أجرؤ على تجاوز الدائرة ، أحسست بإرادتي مسلوبة في حضرته ، خدر لذيذ اجتاحني ، أنعش دواخلي ، كما لو أن شيئا انفصل مني ، لا إحساس بالوقت أو المكان كأني فوق الغيم..

أتاني صوته عميقا كأنه من بئر سحيقة:

– لن أسألك عن نفسك.. بالكاد أعرف كل شيء عنك..

من حيث لا أدري وكأني تحت سحر ما ، وجدتني أقول كلاما عن أشياء لم أرغب يوما الإفصاح عنها ، عندما انتهيت، تهاويت في مكاني و كأني قطعت أشواطا، لأصل إلى هذه اللحظة..

أفزعني رجع الصدى لقهقهته.. تمتمت بداخلي :

 ( أراني في حلم..)

كأنه أدرك ما يجول بداخلي ،  رد بحنق:

  – الأحلام دائما تعني شيئا..    

شعرت بانقباض من كلماته التي تلسعني كلهيب حارق ، انزاح من طريقي وصوته يصلني كفحيح :

– لقد اجتزت خطا غير مرئي.. فاصل بين الظلام و النور في وقت محدد..                                                                      غادرته مسرعا، ملتحفا بالصمت ، لحظتها كنت أغوص في دوامات فارغة، لا أستطيع فهم ما يجري ، أو الوقوف عند الحد الفاصل بين الحلم و الحقيقة.

نظرت إلى الدائرة ، كانت فارغة و ضوء النهار ينحسر عنها، أدرت وجهي نحو الشمس الغاربة ، كانت تغطس بالكامل وراء الأشجار، والسماء تتلون بالوردي و الأرجواني في انتظار الظلمة القادمة..

 

========

قصة قصيرة خاصة بصحيفة قريش/ ملحق ثقافات وآداب  لندن

 

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    الاخبار العاجلة
    WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com