ما هَمَّني كيفَ وأينَ أموت!
حسين حبش
____________
شاعر من الكرد
ألمانيا – بون
أضَعُ رأسي على صَخرة النسيانِ وأردِّدُ كلازمةِ أغنيةٍ حَزينةٍ ما يلي:
ما هَمَّني إنْ متُّ فقيراً أو أفقرَ من كلِّ الفقراءِ في العالم
طفلايَ يأكلانِ التفاحَ و يمضغانِ حَبَّات الرُمَّان
و هذا هو الأهم .
ما هَمَّني إنْ متُّ ، ثم استيقظتُ لأمشي وحيداً في جنازتي
ما هَمَّني إنْ لم أستيقظ أبداً
طفلايَ يتهامسانِ بفرحٍ و سعادة، و كأنَّهما حَبيبَان
و هذا هو الأهم.
ماتَ سركون بولص مريضاً في برلين ، وكأنَّه كانَ مَلاكاً سكيراً يهوى الترنح في أنفاسِ الموتِ لوحْده ،
كما كانَ لوَحْده دَوماً .
ماتَ كمال سبتي على أريكةِ بيتهِ في هولندا ، كأميرٍ منسي .
ماتَ عقيل علي على الرصيفِ ، وكأنَّه خُلِقَ ليكونَ عبقريَّ الأرصِفةِ.
ماتَ محمود البريكان بسكينِ لصٍّ قاتلٍ ، وكأنَّه كان فناراً يُرشدُ القراصنةَ إلى جيبه الخالي من الذَّهبِ و الدراهم .
إذن ما هَمَّني إنْ متُّ أنا في حانةٍ أو في مَرْقَصٍ أو في ملهى أو على صَدر عاهرةٍ بليدةٍ في ماخور!
طفلايَ يأكلانِ البطاطا المقلية مع المايونيز
و هذا هو الأهم .
ما هَمَّني إنْ متُّ غريقاً أو محروقاً أو مخنوقاً أو مجروشاً أو منحوراً أو منتحراً بالغاز كأختي سيلفيا بلاث.
ما هَمَّني إنْ متُّ معدوماً في عيدِ ميلادي كشقيقي دلشاد مريواني، ملاكُ كُردستان العجيب.
ما هَمَّني إنْ متُّ جائعاً أو مسجوناً أو مدهوساً بعجلاتِ قطارٍ أهوج كتوأم روحي أتيلا يوجيف.
ماهَمَّني إنْ متُّ مقتولاً بأيدي الرعاع كأخي لوركا أو مشنوقاً كصديقي حسن مطلك ، دابادا بغداد.
الأهم أنَّ طفليَّ بخيرٍ
و أنَّني أكتب للفراقِ قصائد حبٍّ رَعَويةٍ أسْتَّلُها من دلعِ النَّادِلاتِ
و من قاماتِ الصبايا الجميلاتِ اللواتي يَمُرن بغنجٍ من أمامِ زجاجِ المقهى.
طفلايَ يلعبان
إبنتي تمشِّطُ شعرَ إبنتها الباربي
و إبني يقودُ دراجته النَّارية الصَّغيرة جداً
و هذا هو الأهم .
ما هَمَّني إنْ متُّ بطعنة مدِّيةٍ غادرةٍ أو بجرعةِ سمٍّ كَعَمي َّ سقراط.
ما هَمَّني إن كانَ ذلك في أثينا أو برلين أو بيروت أو لندن أو دمشق أو مدريد أو في واشنطن الغرَّاء !
فالعواصمُ متشابهةٌ و الموتُ كلبٌ يَجوبُ الآفاق.
طفلايَ يُدَحْرِجان كرةً تُشبه الكُرةَ الأرضية ، و يبدوان رائعَين
و هذا هو الأهم .
ما هَمَّني إنْ متُّ متشرِّداً ، منفيَّاً ، متألمأ ، حَزيناً ، سَكراناً
أو ملدوغاً من أنيابِ الأصدقاء ككلِّ الشعراء
المهم أنَّني الآن أستمع إلى ماريا كالاس و أبلُّ أعماقي بصوتها الرخيم
و طفلايَ ينامان ببراءةٍ مذهلة
و هذا هو الأهم.
ما هَمَّني إنْ متُّ ، و أنا أتعتعُ بالترهات أو أمْخرُ عُبابَ الجنونِ
أو كرفيقي سيوران أجوبُ الليل من السهادِ و الأرق واضعاً مصيري في يدِ البردِ و الهذيان.
طفلايَ يبتسمان في النَّومِ و يحلمان، ربما بالعصافير أو بالفَرَاشَات
و هذا هو الأهم.
ما هَمَّني إنْ متُّ أو لم أمُتْ
فسَيَّانَ عندي
ما دامَ المَوت جلاء الرُّوحِ
و روحي ضيَّعتها منذ دهرٍ في غاباتِ النسيان.
ما هَمَّني!
_________________
قصيدة خاصة لصحيفة قريش/ ملحق ثقافات وآداب – لندن
عذراً التعليقات مغلقة