أين الجزيرة …؟
علي غيـور
شاعر من المغرب
(إهداء إلى الياقوتة التي لم أرها ، وإلى كل عازب يجدف )
إِنِّي أُجَدِّفُ مُذْ غَدَوْتُ أُجَدِّفُ
تَعِبَتْ يَدَايَ وَ لَسْتُ مَنْ يَتَوقَّفُ
أَمْضِي وَلِكنِّي أَرَى ، ماذا أَرى ؟
صَخْرًا على صَخْرٍ وموجًا يَقْصِفُ
اللَّيلُ أعوامٌ تُزَلـزِلُ تُربَتِي
الشَّمسُ أعوامٌ دمائيَ تَرشُفُ
وفؤاديَ الحسّاس يَعزف قَصْبةً
عزفًا يضاعفُ وحشتي ويُخفِّفُ
تتكسَّرُ الأمواجُ حين تقدُّمي
والحزنُ يأبى الانكسار فيَعصِفُ
لا شيء يُبقيني أحرِّك مجدفي
إلا حروفٌ لم تَفُقْها أحرفُ
لا شيء يبقيني أحرك مجدفي
إلا حمامُ الأمِّ حين يرفرفُ
****************
إنِّي أجدِّفُ مذ غدوت أجدفُ
تعبت يداي ولست منْ يتوقفُ
تتراكم الأمواج حين تقدمي
فكأنها جبل عليَّ سيقذفُ
وتقول : يا ظمآن كسِّر مجدفيـْ
كَ الماءُ في هذا الزمان مُكلِّفُ
كسرهما تشربْ شرابًا سائغًا
من كسروا المجداف لم يتأسفوا
فتُصيبني قطراتها لكنَّنِي
لا أرتوي ، مِنْ مِلحِها أَسْتَنْكِفُ
فأحرك المجداف أفرقُها كمَنْ
فرقتْ عصاهُ البحر يوم توقفوا …
وأقول مُوتي تحت زورقي الذي
سيظل مِن أجل الجزيرة يُجْدَفُ
موتي فإنَّ اثْنَيْن لَنْ يَتَرادفا
ماءٌ أُجاجِيٌّ وماءٌ أَنظَفُ
********************
إنِّي أجدِّفُ مذ غدوت أجدفُ
تَعبت يداي ولست منْ يتوقفُ
حواء يا حواء أنت جزيرةٌ
مجهولةُ الزَّمَكان لكِنْ توصفُ
حواء يا حواء أنت جزيرةٌ
شطآنها بَرَّاقَةٌ لا تُجْرَفُ
في غارها جبريلُ يسطع نورهُ
غارٌ كغار حراءَ فيه تصوُّفُ
أشجارها الخضراءُ زَيْتونِيَّةٌ
أنهارها الماءُ المعين الأنظفُ
فيها الزنابقُ والبنفسجُ والقَرَنْـــ
فُلُ كُلُّ أزهار الطبيعة مِعطفُ
أطيارها طير صغيرٌ حجمهُ
ذو حُمْرَةٍ عَيْنَيَّ تَيْنِ سَتَخْطِفُ
كالعندليبِ وكالبلابلِ صوتُهُ
كالعازفِ الحسَّاس لا يَتكَلَّفُ
بُركانُها مُتَجَمِّدٌ ، إن ثار ثا
ــرَ لأن جسمي يَرجفُ
وسماؤها إن أمطرت بغزارةٍ
فلأنها شَعَرتْ بمائي يُرشفُ
حواء أنت جزيرة أوصافُها
لا تنتهي لم تكفِها ذي الأحرفُ
لو قلتُ للشعراءِ كُلِّهُمُ اكْتُبوا
لكتابةٌ فتمزُّقٌ فتوقُّفُ
******************
إني أجدف مذ غدوت أجدفُ
تعبت يداي ولست من يَتوقَّفُ
كم قد بَنيتُ من الحصون فما رأتْ
عيناي حصنا طوبهُ لا يُخسَفُ
كم قد نَثرتُ من البذور فما رأتْ
عيناي سنبلةً ولا ما يُقطَفُ
أجزيرتي فلتخرجي هذا السجيــ
ن فليس يعصر إن غفا ما يرشفُ
إن انتظارك كـل يوم طعنةٌ
ما أكثر الطعنات في من يَنزِفُ
حواء يا حواء هاتي من غصو
نك غصن زيتـون ندي يُسعِفُ
إني إذا قبلت غصنك مرَّةً
قبلت ألفا كَفَّ مَن هو أشرفُ
***************
إني أجدف مذ غدوت أجدفُ
تعبت يداي ولست من يَتوقَّفُ
يا أيها اللوح المقدس نـوره
أجزيرتي حرف عَليْكَ أأحرفُ؟
ياليت شعري كم سيصمد خافقي
إن ظل زورقيَ المُجَلَّدُ يُقْصَفُ؟
ياليت شعري كم سيصمد زورقيْ
إن ظل خافقيَ الحزين يُجَدِّفُ؟
كم قد تبقى من حمام زاجلٍ
في صدر أمي أو أبي ، لا أعرفُ
لا يعرف الإنسان ما يخفي لهُ
غدهُ وفـي ذا حكمة يا مجدفُ
يا نفس صبرا ثم صبرا إن مَنْ
كانوا كأيوبٍ همو من رفرفوا
صبرا فسوف يجيبني الغد إنهُ
عن أحرفِ اللوح المقدس يَكشِفُ
إني أجدف مذ غدوت أجدفُ
تعبت يداي ولست من يتوقفُ
====
قصيدة خاصة بصحيفة قريش/ ملحق ثقافات وآداب
عذراً التعليقات مغلقة