تأملات في رواية (ذات رحيل) للروائية التونسية عفاف الشتيوي

5 نوفمبر 2018
تأملات في رواية (ذات رحيل) للروائية التونسية عفاف الشتيوي

تأملات في رواية (ذات رحيل) للروائية التونسية عفاف الشتيوي..

في هذا القفر العربي لا حياة

بقلم- الطيب طهوري 

كاتب من الجزائر

ذات رحيل..كأنه كان رحيلا وانتهى، تقول كلمة ذات..رحيل ماذا ورحيل من؟..وإلى أين؟..ولماذا كان الرحيل أصلا؟..هل انتهى الرحيل أم ما زال؟..أسئلة لا حد لها ، تظهر وتختفي لتترك المجال لغيرها لتظهر هي الأخرى..
ذات رحيل مضاف ومضاف إليه..الكلمتان تحيلان إلى كلمة غائبة حاضرة..مستترة ظاهرة..حدث أو كان..ماذا حدث؟..ماذا كان؟..
تسقي الشعرية الرواية من بدايتها حتى نهايتها التي تشكل بدايات وبدايات..ليس الأمر غريبا..صوت الداخل المهيمن عليها بفعل برودة الخارج ،قمعه..يدفع إلى البوح..إلى الصراخ الذي يرتد إلى الداخل ليكون أنينا وخوفا..ليكون تمزقا رهيبا..التمزق ذاك حتم تعدد وجوه الرواية..رواية المرآة..رواية الورق..رواية الواقع..رواية الداخل المتشظي..تنكسر المرآة..تتمزق الأوراق..يضطرب الداخل..والمراة الأنثى هي المرأة الأنثى..والمجتمع ذكوري يغوص في وحل ما نشأ وتربى عليه من سيطرة ذكورية.. من عادات وتقاليد بالية تقتل في الأنثى حياتها وتطمس وجودها..تمحوه..في مجتمع كهذا ، حيث الكل ضد الكل..الواحد ضد الواحد..حيث النفاق والتزلف والمظهرية التي تغطي على الفراغ..


تكتب..تموسق..تتزوج..لا تتزوج..تندمج في مجتمعك القامع المقموع أو تفر..لا حرية لك في كل الحالات..تقتل نفسك..تقتل غيرك..أنت ميت قبلا..هو ميت قبلا أيضا..
تتداخل الضمائر..ضمير المتكلم ( أنا/نحن) يعانق ضمير الغائب( هو/ هم)..معا يعانقان ضمير المخاطب ( أنت/ أنتم) في الصفحة الواحدة..لا يحس القارئ بأن هناك اضطرابا ما يؤدي إليه ذلك التداخل..لا يحس بان هناك خللا ما يحد من انسيابية السرد وجمال اسلوبه..إطلاقا، إطلاقا..الروائية متحكمة جدا جدا في لغتها وفي بناء أحداثها وتفاعل شخصياتها..متحكمة بعمق في توظيف ضمائرها..
تتداخل الشخصيات..تتشابه..تلك الشخصية هي هذه..لا فرق..حيث لا حرية يكون القطيع..يكون التشابه..في القطيع الكل يراقب الكل..اسمك ليس مهما..ماذا تصنع به؟..للأسماء وجودها وفاعليتها حين يكون حاملوها أصحاب إرادات فاعلة واختيارات حرة..ولا إرادة هنا ..لا اختيار..هنا الخضوع ، ليس إلا..
في الخضوع ذاك يكون الكل دمى..دمى تشكل دمى..دمى حجرية..لا مشاعر لها..لا احاسيس..توضع حيث يشاء القطيع..يفعل بها وفق ما يريده القطيع..
بين حاضر الشخصيات وماضيها تتحرك الرواية..لا بشكل تقليدي تعرف بدايته وحركة سيره وتشكل شخصياته بكيفية تصاعدية تدريجيا..تتحرك الأحداث وتبنى الشخصيات بشكل حداثي يتخذ تيار الوعي وسيلته..الأحلام..الكوابيس.. الهذيان..الخوف.. الخضوع..التمرد الفردي غير المجدي في واقع يشكل دائرة حصارية لا شيء وراءها..ولا سماء حتى..لا أفق..الكل خارج المرآة وداخلها..مؤطر..مقيد..داخل الأوراق وخارجها نفس الشيء..في الواقع كذلك..الواقع هو من فرض المرآة للمرأة كي تتجمل لذكرها..هو لا يحتاج إلى المرآة..هي موضع تفريغ شهواته..لا شهوات لها..


الواقع هو من يحدد حركة الشخصيات في الأوراق قارئا لما تقوله وتفعله..ومحددا لمساراتها وصيروراتها..
الواقع هو من يحدد نمط حياة الناس..لا مجال لأي فعل خارج إرادته القطيعية( من القطيع)..
أين المفر إذن؟..لن ينفع شيء..تهرب إلى العزلة ،إلى الفن، وحدك..إلى الجنون..لن يغير ذلك شيئا فيك وفي حياتك..الدائرة محكمة جدا جدا..مشدودة بقوة..ولا مجال لك لتخرج منها…هل يجدي الرحيل؟..إلى أين ترحل؟..البحر عميق..مليئ هو الآخر بالحيتان المتربصة..لا وراء له..لا أفق..والقضية ليست فردية..هي اجتماعية في الأساس..
ذات رحيل رواية المرأة في بلادنا هذه..بلادنا العربية..رواية الرجل أيضا في هذه البلاد نفسها..الكل خاضع ومقموع..وإن توهم غير ذلك ورضي بما هي عليه الحال بحكم عادة العيش المتكررة على الدوام..
ألم كبير، مربك، يحس به القارئ..يتألم..كثيرا كثيرا يتألم..
ماتت الطفلة في الرواية..في أحد فصولها الأخيرة..لنفترض انها لم تمت.ما الفرق؟..هي دمية والطفلة التي هي طفلتها دمية مثلها..والكل دمى..ولا حياة للدمى..فكيف ماتت تلك الدمية/ الطفلة إذن؟..على الثامنة ماتت..في اليوم الثامن من الشهربما، ر..في الشهر الثامن من السنة، ربما..الأسبوع سبعة أيام..اليوم الثامن خارج الزمن..نحن خارج الزمن أيضا..لا زمن لنا..لا نحن في الماضي..لا نحن في الحاضر..هل ننتظر المستقبل؟..كيف، ولا زمن لنا؟..نحن في القمامة..نحن في القمامة..لا..القمامة أرقى..هكذا سارت بنا الرواية في لحظة ما..
في واقع كهذا لا تنتظروا غير الكره والحقد..غير القتل البهيج..
شهرزاد الأمس أمكنها إنقاذ أخواتها..شهرزاد اليوم لا..شهرزاد الأمس كانت تحكي لتزرع الحياة في المهيمن المخضِع..لمن تحكي شهرزاد اليوم وقد صار الكل قطيعا يقاتل بعضه بعضا..يخضع بعضه بعضا ؟..ما أصعب اليوم وما أسهل الأمس في هذه الحياة..
تنتهي الرواية بموت أحمد العامري..بجثته وقد لبسها البياض..به وهو فيالقبر والتراب يُذر عليه..قتل..وقتل..وخطط ليقتل..و..قتلته تلك التي كان يخطط لقتلها..الدمية الحجرية قتلته..
لا..ليس هنا في هذا القفر العربي حياة.

 =====================

 المقال خاص بصحيفة قريش – لندن

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    الاخبار العاجلة
    WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com