جسدُكَ البِكْرُ
د. أسماء غريب
______________
شاعرة من المغرب
مقيمة بإيطاليا
في هذا الصّباح
استيقظتُ مِن سُباتيَ العميق
وبحثتُ عنكَ
فلمْ أجدْكَ بالقُرْبِ منّي
وحينما استفسرتُ عن غيابك
قال لي الجندولُ
إنّكَ مازلتَ في سَفرِكَ البعيد
أو في نومكَ وخَدَركَ اللّذيذ
*
لماذا تفعلُ هذا
وأنت تعلمُ جيّداً
أنّ العرفاء لا ينامون أبداً؟!
لماذا لا تتركْ تلكَ الكأسَ من يديْكَ
وتأتي إليّ
على الأقلّ كيْ تعترفَ أمامي
بفشلكَ أو فشَلِنا الذّريع
نعم، فلنَقُلْهَا الآنَ معاً أمام الملأ:
لقد فشلنا نحنُ العرفاء
فشلاً كبيراً في كلِّ شيء
وما بقي في السّاحة منّا
سوى المهووسين والممسوسين
*
قُلْ لي
لماذا تتمسّكُ بالسرِّ مثلهُم
بل أيُّ سرٍّ هذا الذي يقودُنا جميعاً إلى الهاوية
أهُو سرُّ العينِ الحوراء في القلبِ الكبير
أو الشّجرةِ الملتهبة
في أعماقِ صحاري جبهتكَ الصّنوبريّة ؟
تلك أضحوكة بلْ أكذوبة
صدّقَها الجميع
لماذا لا تقُلْ إنّها عينُ إبليس
وتُرِحِ النّاسَ منَ هذا العذابِ المرير
لماذا لا تقُلْ
إنّهُ يراقبُكَ في كلّ شيء
لماذا لا تقُل
إنّ العرفاءَ سقطوا في شراكه
وما كان كان
*
يا للعار يا صاحبي
جسدُكَ، بلْ مِحرابك الوحيد
كان يجبُ أنْ تغلقَهُ جيّداً
وتحميه كالقلعةِ مِن الدّخلاء
اليومَ أصبحَ فُندُقاً
يدخلُهُ كلُّ من هبَّ ودبّ
من أهلِ العوالم الأخرى
ستقولُ لي إنّهُم يحدّثونكَ عن الله
وأردُّ عليكَ: وهْمٌ وكذبٌ
فاللهُ لا يحتاجُ لأحدٍ ينوبُ عنهُ في جسدكَ
لقد تحدّثَ إليكَ مُنْذُ خَلَقَكَ
و هذا يكفي
وهُو بداخِلِكَ قبل النّفخِ
وهذا يكفي
وما عداهُ أحبولةٌ وقعتَ فيها أنت
و غيرُكَ من صحبكَ
أيُّها العارفُ الغارقُ
في بحر الوهم
*
لماذا لا تدع الصّباح يطرق بابكَ
لماذا لا تفتح له قلبكَ مثلي
لماذا تُصِرّ على التوهان في حلبات الرّقص
وساحات الدّوائر و النجوم و الكواكب
لماذا لا تصعَد إلى جبل الجلجلة
لوحدكَ بدون دخيلٍ و لا رفيق
لماذا لا تصلب ذاك القلبَ العتيق
وتخلّصْه ممّا هو فيه
واطردِ الملوكَ والسّحَرَةَ والشُّعراء أهل الدّجل
والحسناوات من كلّ أرض وكوكب
وعُدْ إليّ
أنا وحدي جسدكَ البكرُ الأوّل
وكلّمْني كما كنتَ تفعلُ منذ الأزل
بلُغتِنا التي لا يعرفها أحد سواك:
آراميتُكَ الأولى
وسَنْسْكْرِيتِيَتِي الثاّنية.
_____________________________________
قصيدة خاصة لصحيفة قريش – ملحق ثقافات وآداب – لندن
عذراً التعليقات مغلقة