الثالوث الكارثي ونبذ الكراهية في (رواية سرير الألم…لزهرة عز )
بقلم: سعدي عوض الزيدي
———————–
ناقد من العراق
اكتنزت رواية (سرير الألم ) للكاتبة العربية المغربية زهرة عز(1)، بمضامين فكرية واجتماعية عديدة ، يُعاضد موقف الأنسان وحقه في حياة كريمة ووجود عزيز وفاعل في البناء الحضاري والانساني ، في مقارعة الثالوث الكارثي (الفقر ــ الفساد السياسي ـ الفكر الظلامي التكفيري الارهابي).
وسرير الألم ، رواية العوالم المتداخلة والمتناسلة ، المرتبطة بشبكة عنكبوتية من السرد في مستوياته المتعددة والروي بطبقات ومستويات سردية متنوعة ، لا تخلو من الامتاع ..
نتوهم كثيرا اذا قلنا انها تتناول شريحة واحدة المرأة مثلاً ، أنه وهم كبير فالرواية تتجاوز كثيرا هذا الاعتقاد في الدفاع عن المرأة ، المرأة مكون من مكونات المنظومة الاجتماعية التي تناولتها الرواية من خلال عملية تشريح قاسية وتحليل مختبري مظنٍ لإعماق الترسبات الاجتماعية ، عبر منظومة الادارة الهشة وقد أدت هشاشتها الى بؤس اجتماعي مؤسف وتطرف ديني مدمر..
الكاتبة لا تتوانى عن انتقاد الحدث السلبي المجتمعي والذي أودى الى خلل كارثي عظيم في البنية التربوية ، ترى ان واجبها تأشير ذلك .
لقد كانت الرواية الكلاسيكية انتقادية بما تحتويه من نقد للآفات الاجتماعية(2) والمضاف في الروايات التي تولج هذا المسار في انها تشرح وتحلل وتؤشر تلك الاشارات التي تحول المفهوم من الانتقادي المجرد الى النقد البناء ليس للهيكل العام بل لأفعال الشخوص ، وفضلاً عن اعتماد التحليل الاجتماعي،فأنها استمدت إحداثها من واقع معاش وتاريخ عالق في الوجدان الجمعي .
ولا يمكن بأي حال من الاحوال من وضع هذه الرواية في خانة ما سُميَّ الرواية النسوية وعلى الرغم من أن بطلة الرواية امرأة وكاتبتها كذلك ولكن لا يمكن عدها نسوية كون أحداثها يتقاسمها الرجال والمجتمع بشكل عام، فما كانت غاية الرواية ابراز بطولة المرأة وكفاحها بل تجاوز ذلك إلى صناعة الملحمة الاجتماعية ولا يتقاطع مع الرؤية للرواية الحديثة واقصد لا يمس الخصوصية والذات التي صنعتها..
يكون الواقع المعاش مناخا وبيئة، مرتكزا أساسيا في بناء القصة القصيرة ، فمهمة هذا النهج تغدو مهمة تشخيصية ، تشريحية لجثامين شهداء الحياة، الفقراء، وأن كان الفقر لا زمان ولا مكان له كما هو الحال مع التطرف والارهاب..
وحيثما يوجد الفقر يوجد الاهمال ويستشري انتهاك الانسانية وهو علامة أي الفقر لانعدام العدالة، فكلا الدين والقانون الوضعي لا يبيحان فقدان العدالة الاجتماعية في توزيع الثروة ــ الرزق دينيا..
كل ذلك لا تصرح به تصريحا تقريريا احتجاجيا وانما تهبط الى ارض الواقع ، تصوره وتصفه من خلال نماذجه ورموزه والذاكرة …
العنف والكراهية وماكنة التسذيج
ويتميز موقف المثقف العربي من خلال انموذجه المغربي بصدد الرؤية الظلامية التي اكتسحت العالم العربي والاسلامي في نهايات القرن الماضي وفي عقديه الأخيرين بالذات .
وتقر الكاتبة: زهرة عز في المعضلة والكابوس الجاثم على صدر حلم الأنسان في الانطلاق نحو حياة يتواشج فعله مع انسانيته وذاته. هي تصرح انسجاما مع ذلك، وكأنها تصرخ صرختها المدوية المحتجة والمستنكرة في أن: (زمننا زمن الفوضى والجهل بامتياز، أصبح القبح فيه يطغى على مساحات السلام والمحبة، وضاع المشترك بيننا. رفع المتطرفون شعار الكراهية في وجه كل من يخالفونهم الرأي والفكر، وكل من يبحث عن جوهر الإنسان والكرامة والحرية ) الرواية : ص 174
تندرج تلك الكلمات تحت رؤية الكاتبة للعنف والتكفير وناتجهما المرير الارهاب المبرمج ، تنتجه ماكنة ضخمة للتسذيج ومصادرة عقليات البسطاء إما لبساطتهم وجهلهم وحرمانهم من التعليم او للفقر والبؤس الذي شمل واقعهم، وفي كلتى الحالين تتسيد الرؤية الظلامية الكارثية المستندة إلى فكر إسلامي متطرف أو في الحقيقة اتباعه المتأخرون جعلوه أكثر تطرفا وبعداً عن الحياة بل مسخ الحياة وجعلها كابوسا مفرط الرعب أملاً في دنيا اخرى فيها ما لذ وطاب، وكأن هذا المنظور الالغائي للعيش الآمن هو المبدأ المتاخم للحياة ..
ولقد أنتج هذا الفكر الظلامي قوة كابحة لأصوات الفكر النير المحب للحياة وغير المفرط في العقائد السامية، من أجل إخماد جذوة الحياة الصانعة للحب والتعايش:
(كان هناك دخان كبير يحجب الرؤيا، وأصوات خشنة ترتفع، وتصرخ هنا وهناك:
أنت زنديق، أنت كافر، أنت علماني، أنت ملحد، أنت فاسق، أنت سفيه، وتوالت الاتهامات، تنفخ في طبل أجوف. وجوه الزبانية قاتمة، من لون راياتهم، وعقولهم وقلوبهم، عبوسها أخاف الورد حتى هرب العطر منه، واختفت زقزقة العصافير في السماء.) الرواية ص 171
الكاتبة زهرة عز ، هنا تُحشد المصطلحات التي يستعملها التكفيريون ضد الناس والمجتمع الذي يقاومهم ونستشف تلك المقاومة المعلن عنها من خلال ما يكيله هولاء للمتنورين .
هذا العداء للمجتمع الآمن ورموز المتحررة المثقفة التي تنشد الحياة الحرة الكريمة والمنتظمة بسلوك الاعتياد مواكبة مع البشر في كل ارجاء المعمورة ، لم يأت من فراغ وانما خلفه حسابات سياسية كالحة في مساراتها تزيد من جانبها استنزاف المجتمع بافقاره وحرمانه وزيادة الهوة بينه وبين الحياة ؛ فيما يتعملق الظلاميون في تفسير الحياة الدنيا كونها امتحانا وجحيما بديله الآخرة التي فيها كل شيء..
الرواية (سرير الألم ) تفضح المعادلة الكارثية : سياسي يفسد ويدمر كل شيء من اجل مصالح تضر بالوطن مما يزيد من الحرمان والفساد الخلقي الأنحرافي وانتشار كل ما يعيق طهارة وعفة الأنسان سواء المرأة أوالرجل.. هذا الإفساد يمنح الفرصة للظلاميين في اختراق المجتمع بـ (ثقافة الموت، وصناعة الكراهية هي السائدة، فقط لحسابات سياسية لا غير، ولأطماع دنيوية …
أصبح الحديث عن جهنم والعقاب والقتل جَهْرًا ، والظلاميون احتكروا الجنة وأعلنوا أنفسهم وصايا على الناس، بل اليد التي تبطش بهم في الدنيا تقربا وزلفى. كل من خالفهم الرأي أو بحث عن أسباب التخلف وطالب بعدالة اجتماعية ، صنفوه في خانة : زنديق ؛ كافر ، وأصدروا حكمهم بوجوب محاربته وقد يقتل بطعنة غادرة أو رصاصة طائشة أو يعلق بحبل مشنقة، وقد يدفعون بأحد الظلاميين لتفجير نفسه، وحصد أكبر عدد من سنابل الفكر. يبيعونه وهم الحور العين وهن يترقبن صعوده إلى السماء.) الرواية ص 174
بسوداوية فكر هؤلاء التكفيريون تغيب رحمة الله ويحضر شديد العقاب بناره وزبانيته، يغيب الفردوس الإلهي الذي يتوصل له الأنسان حينما يمارس طقوسه مباشرة باعتباره شأنا خاصا ، شأنا عقليا بحضور وازدهار الفكر.
وفي نظرة متمعنة في رؤية الكاتبة وتحليلها للحال تعزو ذلك الاستشراء الظلامي في المجتمع الى غياب العقل وتمكن التقليد الأعمى بديلاً للأيمان وبذا سقطت الأمة في فخ الظلام.
وتقول في تحديد دقيق للمعضلة: (للأسف، تفجر الذهب الأسود، النفط، وكان سلاحا لاغتيال العقل وإحياء التقليد من جديد، فعاد ابن تيمية، يفتي من قبره بقتل العقول وكل من يهدد راحة المترفين) الرواية ص 176
في مقابل الفكر الظلامي تبرز شخصية ابن رشد التنويرية، وابن رشد في الرواية المعادل الموضوعي للفكر التنويري الثقافي الحديث وصورة للمثقف العربي في المغرب الرافض بل والثائر بطريقة حضارية ليس فيها دم ولا حرق ولا تبكيت .
تتضح هذه الرؤية بشكل جلي في الرواية :
(نظر يوسف بعيون كريمة الدامعة وقال لها بحنان:
ــ أتفهمين الآن لِمَ أسست مؤسسة التنوير؟
يجب أن تستمر في فضحها للأفكار الظلامية، ليس لنا خلاص سوى العقل، فالدعوات التي استهدفت تكفير العلماء والمفكرين في الماضي والحاضر، وتكبيل الحريات الفكرية، لم تتغير، هدفها الحقيقي هو تكريس الجهل والتخلف، حتى تظل الشعوب بأيدي رجال الدين والحكام. ) الرواية ص 178
الكاتبة زهرة عز في روايتها سرير الألم. أعطت وجهات نظرها في موجات العنف ومن خلال شخوص روايتها تضع الحلول والبدائل..
ابن رشد يمثل الفكر العربي التنويري القديم في محاربة الظلام وقد دفع الثمن في احراق كتبه ومضايقته حد محاربته يماثله في العصر الحاضر الشاب يوسف المهتم بالفلسفة المتعلق حبا بفلسفة ابن رشد وتوقه لاحياء هذا الفكر التنويري بكتاب وهذه الفكرة المفعمة بالتطلع الى الغد الذي يمحو الظلم والظلام ..!
____________________________________________________
(1) سرير الألم / زهرة عز ـروافد للنشر والتوزيع. 2017 ط أولى. القاهرة
(2) جيمس جويس ــ جون كروس ت عبد الوهاب الوكيل ، دار المأمون ـ بغداد ، سنة 1987 : 12
=====================
خاص بصحيفة قريش – ملحق ثقاقات واداب – لندن
عذراً التعليقات مغلقة