هُدنة قبل الرَّصاصْ
حفيظة الفارسي
شاعرة من المغرب
خذ الأرض والسماء
واترك لي ما تبقى من هواء العاطفة
فأنا امرأة لا تحب الشمس
وتخشى اسمرار قلبها
كلَّما اشتد قيظ ذكرى
فكيف أدس قلبي بين حقيبتين
ولا ينتبه الحراس
***
خذ حبات الرمل التي قبلت قدمي
واتركني أقرأ موجة بالمقلوب
أسكنها ولا أبْتلُّ
أنا التي يحبني البحر
كلما ابيض وجه الليل ولم يجد غير صدري
سريرا لأسرار الطحالب
أتَحْفظُ سرا؟
أنا والبحر اختلينا أكثر من مرة
على مراسي الجرح
ولم أنجب غير ملح كثير
وقليلا من عرق النجوم
فقررت الرحيل
وكلما أسرَّ لي الموج بأن الغواية بدوني
فرس نهر عرجاء
وبأن خصري قُدَّ من حواف القمر
أنسى أسماء أصابعي
ولون اسمي
أطأطئ قلبي
و أعود
كما يعود مركب حزين في آخر الليل إلى السَّواحل.
فهل يعود نهر إلى أمه
ولا يبكي على صدرها مرتين
مرة لصدمة الفطام
وأخرى لرائحة المرافئ والعشب الذي يتسلق جدران الغياب؟
***
خذ الأرض والسماء وما بينهما
واتركني أهدهد بقية الحكاية
بأغنية حفظتها عن قرصان قديم
مَرَّ والوقت شتاءٌ ولم يسرق غير قلائدي المزورة
وبضع وريقات من شجر الجنة
هل تحفظ سرا آخر؟
كان يناديني ويغمز لي بباقة من المواعيد
وكنت أقلِّبه تارة بين عيني
وتارات بين الذراعين
ولا أملُّ
قد يلفظني
يهجرني
يهرب مني
لا بأس،
تلك طريقته في قول الحب.
تلك المويجات التي تسابق بعضها مثل فستان موشى بالدانتيل
والليل راقصة غجرية
سمراء، حافية القدمين
تنافسني على رقصة النار
وتسرق في آخر الليل عشاقي الأوفياء.
ألم يخلق الله من الموجة زوجين
ذابا ثم غابا ثم…
تابا إلى الجحيم
***
خذ الأرض والسماء وما بينهما
خذ المويجات والراقصات
واترك رياحك المتعبة
تحفر زوبعة في يدي
ربما تصحو فصيلة أخرى في دمي
أو كتيبة تعلن الانفصال
خذ كل شيء
واترك لي بعضا من هدوء العاصفة
أقلِّبه في فنجان قهوة
وأنا أرقب قصيدة تتهجى يُتْمَها
تنتحب على شفتي
وتمسح خدها بين الجمل والفواصل
قصيدة خاصة لصحيفة قريش – ملحق ثقافات وآداب – لندن
عذراً التعليقات مغلقة