بيروت- قريش:
هذا نوع آخر من القطارات التي تسير على سكك متشعبة من شرايين الناس وأحلامهم الموؤودة وصرخاتهم المكتومة تبحث عن أفق الوصول في حكايات من الدهشة والتألق الانساني برغم كل الانكسارات والعذابات.
القصص العشرة للروائي العراقي المقيم في لندن ، فاتح عبدالسلام ،في كتابه الصادر في بيروت هذا الاسبوع ( قطارات تصعد نحو السّماء ) .
حصاد جديد في مشروعه الروائي و القصصي في استجلاء هموم الانسان العربي المقسوم بين ضفة معاناة في أوطان تشتعل بأسباب التشريد والهجرة، وضفة خلاص ماهو إلاّ خلاص وهمي في غربة تتراكم بحكايات مثيرة منسوجة بخيوط الحروب والعشاق والطامحين الى معنى للحياة .
الكتاب القصصي الصادر هذا الاسبوع عن الدار العربية للعلوم ،ناشرون في بيروت، هو بمثابة سيرة روائية لقطارات أوجاعنا التي تسير بين الناس في انتظار تلك الفرصة التي ربّما لا تأتي للانعتاق نحو سماوات من الحرية والامل .
وهذه المجموعة القصصية متمّمة لمشروع بدأه الكاتب فاتح عبدالسلام في كتابه القصصي (عين لندن) العام ٢٠١١، بحثاً عن ذلك الجوهر الثمين الذي نهدره من انسانيتنا من دون أن ندري، تحت سنابك عصر لايرحم .
تستجلي القصص أحياناً عوالم تنهل من صفحات تاريخ كنّا نظنّها مطوية ، لكنّها تعيش بيننا بقوة، وتحفّزنا نحو مسارات ومواقف لم تكن في الحسبان .
في قصّة (من بغداد الى ديفالي)، تظهر تلك العلاقة بين امرأة عراقية مهاجرة في لندن ومعلمتها الهنديّة التي تصبح صديقتها، وتقترب ثقافتا الاثنتين في تجاور يكشف عن انسانية عميقة، ثمّ يحدث افتراق مفاجىء، وتسعى العراقية لانقاذ تلك العلاقة عبر ومضات عاشتها سلالتها العائلية في بغداد مع الشاعر الهندي الشهير طاغور وجد المرأة، رئيس الحكومة العراقية في الزمن الملكي ، فيما يبرز سؤال الهوية قوياً .
وفي قصة (العراقي الذي حرّر لندن) تتجلّى مكنونات عميقة في نفسية عامل محطّة القطارات الذي يجد نفسه منساقا في تنظيم نقابي منشق يخطط لاضراب يشل لندن. مستحضراً ذلك المخزون الذي يحمله معه كجندي قاتل عند أعتاب بغداد حين حدث الغزو الامريكي ، وشهد اللحظات الأولى لاحتلال بلده .
والقصّة لدى فاتح عبدالسلام تنمو بطريقة مذهلة من التدفّقات الحياتية التي تسحب المتلقي الى أعماقها ولا يستطيع الخروج من عوالمها حتى آخر سطر فيها .
وفي لغة القص عند فاتح عبدالسلام ،انسيابية، تحلّق عالياً في تجليات الحدث وتطوره الدرامي عبر شعرية مستنبطة من المحكي والمعاش ، في جدلية السرد والحوار النامية باطراد .
عذراً التعليقات مغلقة