بريد الليل رواية اللبنانية هدى بركات في (نقد) سامي مهدي

19 أغسطس 2019
بريد الليل رواية اللبنانية هدى بركات في (نقد) سامي مهدي

بقلم/ سامي مهدي

سامي مهدي



” بريد الليل ” عنوان رواية للكاتبة اللبنانية هدى بركات ، صدرت عن دار الآداب عام 2018 . وفازت بجائزة ” Booker ” العربية عام 2019 ، وهي آخر ما صدر للكاتبة في حدود علمي . فقد نشرت قبلها خمس روايات هي : حجر الضحك ، وحارث المياه ، وسيدي وحبيبي ، وأهل الهوى ، وملكوت هذه الأرض . غير أنني لم أقرأ لها سوى ” بريد الليل ” .
حاولت هدى بركات كتابة روايتها هذه بأسلوب سردي مختلف ، وربما جديد . فهي ، من ألفها إلى يائها ، مجموعة رسائل ، وليس هذا هو الجديد فيها ، فكثير من الروائيين كتبوا روايات في رسائل ، منهم دستييفسكي مثلاً ، ولكن الجديد في رواية ” بريد الليل ” هو : طبيعة الرسائل . فقد كتبها أشخاص بلا أسماء ولا أماكن ثابتة يقيمون فيها ، لأشخاص مجهولين لا تعرف أسماؤهم ولا عنواناتهم ، وهي في جوهرها ، اعترافات كتبت في غرف وفنادق عابرة أو في مطارات ، ولم تُبرد في بريد ، ولذا فهي لا تصل إلى المرسلة إليهم ، ويشك كتابها في إمكانية وصولها أصلا ً ، فتقع مصادفة في أيدي آخرين ليسوا معنيين بها ، ولكنهم يروون ما جاء فيها ، من باب التعاطف وتشارك الهموم . وهذه كلها عناصر تشويق تشد القارئ إلرواية وتجعله يحرص على متابعتها .
مرسلو هذه الرسائل شخصيات مقهورة ، مأزومة ، مخرّبة ، بل قل : ملوّثة ، تعاني من سقوط أخلاقي مريع ، وخراب روحي ونفسي ، كما يتبيّن من اعترافاتها ، وهي أيضاً قاسية ، بل مفرطة في القسوة ، سادية ، حتى مع أقرب الناس إليها كالأم ، والأب ، والإبن ، والأخ ، وهذه القسوة تصل حدَّ القتل أو تمنّيه ، وهي بالتالي لا تمثل المهجّرين والمهاجرين والنازحين ، كما تذهب الدعاية الخاصة للرواية ، بل تمثل أراذلهم والساقطين منهم ، لظروف واعتبارات خاصة بهم وحدهم ، كما يتضح من اعترافاتهم في رسائلهم ، واعترافاتهم هذه ليست سوى محاولات يائسة للتطهّر النفسي والتخفّف من أعباء الذنوب التي تثقل ضمائرهم . وقد كتبت هذه الرسائل في مرحلتين متباعدتين ، فبعضها قديم كتب قبل ثلاثة عقود أو نحوها ، وبعضها حديث كتب قبل سنتين أو ثلاث ، ولكن المحبطين الأوائل كالمحبطين المتأخرين ، يكتبون رسائل إلى أشخاص لا أمل في لقائهم أو في وصول الرسائل إليهم . وهم في نهاية الأمر يبحثون في مكاتب البريد والطيران عن رسائل وبرقيات وتذاكر لم تصلهم ، ولن تصلهم ، أما سعاة البريد ( البوسطجية ) فلم تعد لديهم القدرة على القيام بوظيفتهم في مدن وقرى دمرتها الحروب وهجرها سكانها .
هذا عن متن الرواية ، أما لجنة التحكيم فتتكون ، كما ذكر في الصحافة ، من : شرف الدين ماجدولين ، وهو أكاديمي مغربي يقال أنه مختص بالجماليات والسرديات ، وفوزية أبو خالد ، وهي سعودية يقال إنها شاعرة وكاتبة ، وزليخة أبو ريشة ، كاتبة أردنية وهي شخصية اجتماعية أكثر منها شخصية أدبية ، ولطيف زيتوني أكاديمي لبناني يقال إنه مختص بالسرديات ، وتشانغ هونغ بي أكاديمية وباحثة صينية . ويبدو أن المعوّل في هذه اللجنة كان على اثنين من أعضائها هما : ماجدولين وزيتوني ، ولكن اللجنة في رأيي ضعيفة بوجه عام ، ليس فيها شخصية راسخة يعتد بها على صعيد النقد والفكر والنتاج ، والمعول عليهما فيها ، بوصفهما مختصًين ، ليس لهما حسب متابعاتي سوى نشاط صحفي جديد طارئ .
وقد تكون اللعبة السردية التي لجأت إليها الكاتبة هي ما رشح روايتها للفوز لدى لجنة التحكيم ، فهي لعبة ذكية دون ريب ، ولكنها لعبة معقدة التركيب في هذه الرواية ، بحيث يصعب على القارئ تتبع تفاصيلها وجمع أشتاتها رغم توتره وانشداده ، حتى لأزعم أنني لم أقرأ مراجعة للرواية ولا نقداً لاحظ َ، أعني لاحظ بدقة ، ما بين الرسائل والشخصيات من ترابط ، على كثرة ما قرأت عنها من مراجعات ونقود .
من نقاط الضعف في الرواية تشابه لغة الرسائل ، حتى كأن كاتبها شخص واحد ، في حين أنهم أشخاص متعددون ، مختلفون رغم تشابه مشاكلهم وهمومهم ، فهم ذكور وإناث ، ويفترض أنهم من بيئات ثقافية واجتماعية مختلفة ، فلابد إذن من أن تختلف أساليبهم ومفرداتهم اللغوية في كتاباتهم ، وهذا ما لا يظهر في الرواية .
وبعد ، فليس لي أن أحكم هنا على مدى استحقاق هدى بركات للجائزة التي نالتها أو أن أتحدث عن طعون أثيرت حول فوزها ، ولكن مهما يكن من أمرها وأمر اللجنة فإن لعبتها في هذه الرواية مغامرة سردية تستحق الاهتمام ، سواء أنالت الجائزة ، دون الروايات المناقسة ، باستحقاق أم بغير استحقاق .

—————————تعليق منشور على صفحة فيسبوك خاصة بالشاعر والباحث والمترجم العراقي الكبير سامي مهدي

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    الاخبار العاجلة
    WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com