ضِلعٌ أَعوج.. قصة قصيرة للكاتبة المغربية مونيا السعيدي

21 أغسطس 2019
ضِلعٌ أَعوج.. قصة قصيرة للكاتبة المغربية مونيا السعيدي


ضِلْعٌ أَعْوَج

مونيا السعيدي

مونيا السعيدي

قاصة من المغرب

نظَرَت إلى المرآة طويلا لتتأكد من أن كل شيء على ما يرام… الرموشوالماسكارا ومحدد العيون في حالة جيدة، لكن بدا لها أن أحمر الشفاهالوردي “النيود” يحتاج إلى بعض الرتوشات، حتى تظهر شفتيهاوكأنهما مكتنزتين، وأضافت لعينهيها قطرتين من السيروم الخاصبالعدسات اللاصقة الزرقاء التي تعودت على وضعها، ونثرت بعضالهايلايتر على عظمتي خديها وتحت حاجبيها الرفيعتين وفوق شفتهاالعلوية وعلى حافة أنفها الصغير، وبعدها ترددت في أن تترك شعرهاالأسود منسدلا أو تضع مشبكا وتجعله مثل ذيل الحصان، إلى أنقررت بعد حين أن تطلق سراحه وتدعه منسابا ليغطي ذراعيهاالنحيفتين، وخصوصا تلك الحقنة الملعونة المضغوطة في ذراعها الأيسر،ثم رشت مثبت الماكياج بهدوء.

خطر على بالها أن ترتدي فستانا يبرز قوامها الرشيق، ثم تذكرت أنه لايحب المرأة التي تبالغ في إظهار أنوثتها، ووقفت حائرة، أمام خزانةالملابس، ما بين التنورات والبناطيل والقمصان والشورتات، وفي غمرةذلك، نظرت إلى الساعة المعلقة على الحائط.

-يا إلاهي إنها الساعة الخامسة، لم يتبق لدي الوقت.

وقبل أن تنفلت الدقائق من بين أصابع الزمن، تذكرت كلمات صديقاتها”لا تذهبي في الموعد،  دعي الرجل هو من ينتظر، حتى يعرف أنك لاتركضين خلفه، ويعرف قيمتك”.

ارتدت البذلة الأولى والثانية… وظلت تغير ملابسها في كل مرة، ثمقررت، أخيرا، أن ترتدي اللباس الرياضي الأنيق بألوان صيفية؛ جينزأزرق وقميص أنيق مفتوح من الكتفين بلون وردي مثلما يحب، وحذاءمفتوح بكعب، عادت لتستبذله بحذاء رياضي مريح، وحملت حقيبتهاالصغيرة ووضعت نظاراتها، ثم همت بالخروج، فتذكرت أنها لم تضععطرها..  تفحصت كل العطور الفاخرة التي تملكها، وبعد مشاوراتعظيمة مع نفسها وضعت عطر “شانيل شونس” لعله يجلب لها الحظ،وتوجهت إلى صندوق إكسسواراتها أخذت منه قرطين وسلسلة، وضعتهمبخفة، وصفقت الباب، وأغلقته بثلاث مفاتيح، وتأكدت كعادتها من أنهمحكم الإغلاق، ثم غادرت، ووقفت تنتظر، لتتوقف سيارة أجرة أمامها..فتحت الباب الخلفي، صعدت وأخبرت السائق عن وجهتها، وبينما هيتغوص في أحلامها، كان السائق يروي لها حكاياته مع الراكبين وعنغلاء المعيشة وعن خروف العيد ومشاكل الجيران… ومسؤولية الزواج..

التقطت أذنيها من كل ذلك، كلمة الزواج، فعادت إلى أرض الواقعلتسأله:

-عفوا سرح خيالي قليلا، ماذا قلت عن الزواج؟!

-الزواج مسؤولية كبيرة، ندمت على أني تزوجت… ليتني لم أترك حياةالعزوبية الجميلة… وأنت؟ متزوجة؟

-ليس بعد…

– نصيحة، عيشي حياتك… العزوبية جنة…

عادت لعالمها الوردي الذي تحب دوما أن تغوص فيه، ولم يُعدها شيءإلى الواقع سوى صوت زمور السيارة القوي، الذي أطلقه السائق لأناثنين في مقتبل العمر ظلا يتصافحان ويتحدثان وسط الشارع، ولميمنعها تذمر السائق من العودة لأحلام يقظتها، إلى أن سمعت صوتهيخبرها بأنها وصلت.

ناولته أجرته وأغلقت الباب خلفها.

أخرجت هاتفها من الحقيبة واتصلت به.

-أنا وصلت، هل أنت بالداخل؟! …. أنا أرتدي قميصا ورديا و.. حسنا،قميصك أنت أزرق..

جالت بعينيها وسط المطعم تبحث عن محدثها، فرمقته قبالتها يلوّح لهابيده. قالت في نفسها “يبدو مختلفا تماما عن الصور التي يضعها فيبروفايله على الفايس”.

شعرت أنها تثقل الخطى صوبه غير مصدقة ما يحدث، مصدومة من أنهبدا لها شخصا آخر، غير الذي كانت تحدثه كل ليلة في الفايسبوك.

صافحته، لكنه جذبها قليلا نحوه ليقبّل خديها، وطلب منها الجلوس.

– ماذا تشربين؟

وقبل أن تجيبه، صرخ على النادل يأمره بأن يحضر عصيرا للآنسة. تذكر أن يطلب منها نوع العصير الذي تفضله، ثم وجه لها ما يشبهالعتاب بطريقة غير مباشرة على أنها تأخرت ساعة إلا ربع.

وبعد أن اعتذرت، أخذت تتأمل وجهه الممتلئ وصلعته التي تتوسطبعض الشعيرات البيضاء، وأنفه العريض، وشاربه الكبير الذي يغطيمعظم شفته العلوية… بدا لها ذميما، لكنها لم تشأ أن تعترف لنفسهابذلك ولا أن تعدد عيوبه، عملا بنصيحة “أن المرأة عندما تتجاوز سنالأربعين تقل فرصها في الزواج، وعليها أن تحمد الله إن وجدت منيهتم لها”.

أزاحت نظارتها، وبدأت تراقب حركاته وطريقة كلامه، بينما كان هومستمتعا بسرد مواقفه البطولية مع أعضاء الحزب، وكذلك، عن قفشاتهمع طلابه، وعن الشابات اللواتي يتحرشن به في الجامعة… وعنالقانون وثغراته.. وعن معاناة أخته وزوجها مع ابنها المصاب بالتوحد… ارتشفت القليل من عصير البرتقال، الذي وضعه النادل بجانبها، وبدأتتفكر كيف تغير مجرى ذاك الحديث الممل، فسألته:

– لماذا لم تغير صورة بروفايلك بصورة حديثة؟

– أنا كسول في كل ما يتعلق بالتكنولوجيا، وخاصة مواقع التواصل…تبدين جميلة وأصغر أكثر بكثير من الصور التي على الفايسبوك.

– أشكرك

– هل أعجبك البوست الذي كتبته هذا الصباح؟

– أجل، يبدو أنك نصير للمرأة..

– طبعا، كيف نحاسب المرأة على أخطائها ولا نحاسب الرجل علىأخطائه، بل نتجاوز عنها..

-يبدو لي أن والدتك فخورة بك

– طبعا، ولكنها تكره الفوضى في حياتي، وتمطرني ببوابل من الدعواتكلما قلت لها إنني مللت حياة العزوبية…

-ألا تفكر في الزواج؟!

ارتطم السؤال على جدار مسامعه كما ترتطم الأمطار على شباكزجاجي على حين غرة، حك أرنبة أنفه، ومرت لحظة صمت، وقبل أنيجيبها، أدار وجهه يبحث عن النادل وأشار له

-سلطة سيزار، وطبق سمك مقلي وفوندون اوشوكولا..

وطلب منها أن تختار من القائمة ما يناسبها، فرضخت للأمر، وبدأتتختار، ولو أنها لم تشعر بعد بالجوع، وخطرت في بالها فكرة لربمايرغب في أن يقترح عليها الزواج بعد أن يملأ بطنه، وابتسمت في قرارةنفسها وهي تردد “الرجل يفكر بمعدته”، وتناهى إلى مسامعها  قوله:

– هل تعلمين أن خلي…لوزيتش…

قاطعته بسرعة

– أخبرتني منذ 6 أشهر أن أمك وحيدة والديها، كيف أصبح لك خال؟  

ضحك ملء شدقيه، حتى سمعه كل من بالمطعم.

-لم أقل خالي، بل قلت لك خليلوزيتش، إنه اسم المدرب الجديد للمنتخبالمغربي..

– آههههه، لا أحب كرة القدم، ولا أتابع المنتخب..

سرد عليها تاريخ كرة القدم وأسماء اللاعبين والمدربين و…وووو… لمينقذها من ذاك العذاب سوى صوت النادل وهو يتمنى لهما الصحة بعدأن وضع الأطباق.

حمل هو شوكته والتهم السلطة، وقبل أن ينتقل إلى الطبق الرئيسي قاللها:

– فكرت في كلام والدتي…حياتي فوضى، وأنا بحاجة لمن تنظم لي هذهالحياة وتشاركني تفاصيلها، إنسانة مثلك، مستقلة، حرة، ومتفتحة،وجميلة ومثقفة، ولديها عمل تحقق من خلاله ذاتها..

لمعت عيناها وهي تنتظر أن يقول لها متى سيُحضر والدته ليتقدملخطبتها رسميا من أخيها البكر ووالدتها، لكن اندثر الوهج في عينيهاعندما سمعته يقول:

– فكرت في أن نعيش أنا وأنت تحت سقف واحد، لكن بالمساكنة، لأننيأكره مبدأ الزواج، فهو مؤسسة فاشلة.. أؤمن بالتفاهم، ولا يهمني الحببالدرجة الأولى، لأننا سنشعر به مع الوقت..

شعرَت بخنجر مسموم ينخر قلبها، وكأنما أشواك الصبار تنغرس فيحلقها، ودت لو تصرخ، لو تصفعه، لو تخنقه بيديها النحيفتين، لو تغرسرأسه الكبيرة تلك وسط طبق السمك المقلي، لكنها توقفت لوهلة، وتخيلتكيف سيشمت فيها القريب قبل الغريب، هي التي درست وكانت دوماالأولى في صفها، واشتغلت بكفاءاتها، انتظرت نصيبها لكنه لم يأت،واضطرت أن تبحث عن زوج حتى ولو من الإنترنت، فقط لتحمل لقبزوجة، من أجل مجتمع يشحذ سكاكينه في وجه بناته.

بعد صمت طويل، أنهت طبقها الرئيسي في هدوء، وبعده تورتة الليمونالحامض، وطلبت من النادل أن يحضر قنينة شامبانيا، وبابتسامةساحرة، استأذنت من مرافقها أن تذهب للحمّام، دخلت إليه، نزعتعدساتها، ولفت شعرها على شكل شينيون، وخرجت، وأخذت أول سيارةأجرة صادفتها، أخرجت هاتفها، وقامت بحذف الرجل من قائمةالأصدقاء، وضغطت على “بلوك” و”بلوك” أخرى من الاتصالات الواردة.ظل هو ينتظرها نصف ساعة، أخذ هاتفه، واتصل بها وتعذر عليهالاتصال، شرب كأس شامبانيا، وكأسا آخر، لكنها لم تأت، دخلالفايسبوك، وجد نفسه تحول إلى مستخدم فايسبوك، تأمل ذلك لهنهيةوجعل يخاطب نفسه وكأنه يخاطبها

“- من تظنين نفسك يا ابنة العاهرة، لست سوى عانس، وتتعففين؟.. واللهتستحقين الاغتصاب”، ثم كتب على حائطه “المرأة ضلع أعوج يحتاجإلى تقويم”..

قصة قصيرة ، خاصة لصحيفة قريش- ملحق ثقافات وآداب- لندن

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    الاخبار العاجلة
    WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com