اللون الأسود
محسن صالح
قاص مصري
الكل ينعتونني بالأسود، زملائي في الفصل ،حتي أحد المدرسين في الفصل الدراسي نعتني بهذه الصفة أحيانا حينما أجيب بالخطأ علي أحد الأسئلة . مدرسة الألعاب بيضاء اللون وممتلئة الجسم والتي أندهش لبياضها، هي وابنها معنا في الفصل الدراسي، نادتني بهذه الكلمة “الأسود” حينما أخفقت في أداء بعض التمارين و الحركات الرياضية. لكم قمت بالمسح علي يد ابنها الأبيض البشرة بإصبعي لأتأكد هل لوني الأسود سيؤثر علي بشرته البيضاء أم لا . آه لكم جعلني أصحابي في الفصل أبكي أحيانا من ثقلهم علي و شتمي ومعايرتي بلوني الأسود. أعود إلي المنزل لأجد أبي أسود اللون ، وأختي الكبري وأخي الأكبر مني بعام مثلي. كلهم سود، وأفكر في نفسي هل يبكون مثلي في الصباح حينما يعايرهم الأخرون بلونهم الأسود.
أمي لونها أبيض، ولكنها تحبنا جدا و تضحك حينما تقول إحدي النسوة لي بأني أسود و ترد عليهن و هي تحتضنني بأنه لولا سواد العين ماكان نورها. أختي الوسطي بيضاء اللون مثل أمي و كنّا نصنفها في وضع خاص للونها ، ننظر إليها ولانفهم لماذا هي غيرنا .
كلنا في السواد كما يقولون ليسوا سواء . كانوا يقولون بأنني الأكثر سمرة ، فيزيدون من قلقي وضعفي في مواجة من يسبونني و يغيظونني بلوني في المدرسة خلال النهار. أختي الكبري تتبرم أحيانا و تظل تدعك وجهها بالماء والصابون و الليفة وأمي تضحك عليها و تقول ” صدقيني مش هتبقي بيضا ، إنتي أحلي كدا” تغضب منها وهي تنشف وجهها و تدمدم بكلمات لاأفهمها ، فيزداد قلقي علي مصيري في الحياة من جراء لوني الأسود.أخي الأكبر مني حضر ذات يوم وقد شج رأسه و هو يبكي لأنه باختصار تعارك مع من سبوه بلونه الأسود في المدرسة و تربص لهم بعد الخروج ولكنهم تكاثروا عليه و ألقوا طوبة شجت رأسه. أخي الأكبر يحكي لأمي و هي تكبس رأسه بالبن و تربطها بخرقة من ملابسها القديمة.
أبي يحضر بلونه الأسود ، يده ضخمة سوداء أحملها بين يدي وأقبلها و أحس معها بالأمن. دائما مزاجه غير معتدل لمتطلباتنا وحاجات أمي و مصاريف البيت. يحضر علي دراجته السوداء في الظهيرة يتناول غدائه و يرجع ثانية إلى العمل حتى الساعة الثامنة مساء. حينما يحضر ، يدق الباب علينا ،نهرول بسرعة لفتح الباب و إلا أصابتنا من يده السوداء الضربات الثقال. حينما اشتروا لي بنطالا للعيد الصغير اشتروه أسود اللون ، بكيت و غضبت كثيرا في المحل ، إنني أريد اللون الأخضر أو الأزرق لا أريد اللون الأسود. حينما شاهدت خالي “ضيف” بلونه الأسمر وطوله الفارع و قوته في مواجهة الأخرين و كيف أنه في إحدي المرات ضرب خمسة رجال بمفرده وكانت صرخته في الحارة كالأسد ، تغيّر غضبي من اللون الأسود وأصحبت لاأكرهه ، فها هو خالي مثلي في اللون ويفوق الرجال.
لكم سألت أمي عن لوني و هل مع الاستحمام سيقل لوني وسأصير أبيض اللون مثلها ، ولكنها تضحك علي كلماتي وتضمني لصدرها و تخبرني بأنني إذا تناولت طعامي و سمعت الكلام سيتغير لوني إلي الأبيض أو اللون الفاتح . تضحك وأنا أنكس رأسي بشعري الأسمر وأفكر في حيلة لمواجهة الغد و مضايقات من يجلسون معي في نفس التخته في الفصل ويسبونني من آن لأخر بلوني و يقولون لي يا أسود و شتائم أخري لو أعدتها علي نفسي سأبكي بسرعة.
حينما تفوقت في إحدي المرات في إحدي المواد الدراسية وكنت الأول علي الفصل ، هنأتني مدرسة اللغة العربية أمام الفصل و نعتتني بالأسمر ذي القلب الطيب و المجتهد. أحسست ساعتها بوجودي الأخر وأن لوني الأسود لم يعد أسود بل صار أمرا عاديا، وأنني أستطيع أن أصبح الأفضل. لم أتوقف عن المذاكرة و التفوق حتي صار الكل يقترب مني و نسوا لوني الأسود. لاأزال أتذكر هذه الأيام و أنا أقلب في أوراقي القديمة ،وأتذكر درس الصف الخامس الابتدائي في كتاب المطالعة عن “سمير والبلبل” و كيف كان سمير يحب البلبل بلونه الأسود.
—————-
قصة خاصة لصحيفة قريش – ملحق ثقافات وآداب – لندن
عذراً التعليقات مغلقة