اللون الأسود .. قصّة قصيرة للكاتب المصري محسن صالح

13 سبتمبر 2019
اللون الأسود .. قصّة قصيرة  للكاتب المصري محسن صالح

اللون الأسود

محسن صالح 

قاص مصري

الكل ينعتونني بالأسود، زملائي في الفصل ،حتي أحد المدرسين في الفصل الدراسي نعتني بهذه الصفة أحيانا حينما أجيب بالخطأ علي أحد الأسئلة . مدرسة الألعاب بيضاء اللون وممتلئة الجسم والتي أندهش لبياضها، هي وابنها معنا في الفصل الدراسي، نادتني بهذه الكلمة “الأسود” حينما أخفقت في أداء بعض التمارين و الحركات الرياضية. لكم قمت بالمسح علي يد ابنها الأبيض البشرة بإصبعي لأتأكد هل لوني الأسود سيؤثر علي بشرته البيضاء أم لا . آه لكم جعلني أصحابي في الفصل أبكي أحيانا من ثقلهم علي و شتمي ومعايرتي بلوني الأسود. أعود إلي المنزل لأجد أبي أسود اللون ، وأختي الكبري وأخي الأكبر مني بعام مثلي. كلهم سود، وأفكر في نفسي هل يبكون مثلي في الصباح حينما يعايرهم الأخرون بلونهم الأسود. 

أمي لونها أبيض، ولكنها تحبنا جدا و تضحك حينما تقول إحدي النسوة لي بأني أسود و ترد عليهن و هي تحتضنني بأنه لولا سواد العين ماكان نورها. أختي الوسطي بيضاء اللون مثل أمي و كنّا نصنفها في وضع خاص للونها ، ننظر إليها ولانفهم لماذا هي غيرنا .

كلنا في السواد كما يقولون ليسوا سواء . كانوا يقولون بأنني الأكثر سمرة ، فيزيدون من قلقي وضعفي في مواجة من يسبونني و يغيظونني بلوني في المدرسة خلال النهار. أختي الكبري تتبرم أحيانا و تظل تدعك وجهها بالماء والصابون و الليفة وأمي تضحك عليها و تقول ” صدقيني مش هتبقي بيضا ، إنتي أحلي كدا” تغضب منها وهي تنشف وجهها و تدمدم بكلمات لاأفهمها ، فيزداد قلقي علي مصيري في الحياة من جراء لوني الأسود.أخي الأكبر مني حضر ذات يوم وقد شج رأسه و هو يبكي لأنه باختصار تعارك مع من سبوه بلونه الأسود في المدرسة و تربص لهم بعد الخروج ولكنهم تكاثروا عليه و ألقوا طوبة شجت رأسه. أخي الأكبر يحكي لأمي و هي تكبس رأسه بالبن و تربطها بخرقة من ملابسها القديمة. 

أبي يحضر بلونه الأسود ، يده ضخمة سوداء أحملها بين يدي وأقبلها و أحس معها بالأمن. دائما مزاجه غير معتدل لمتطلباتنا وحاجات أمي و مصاريف البيت. يحضر علي دراجته السوداء في الظهيرة يتناول غدائه و يرجع ثانية إلى العمل حتى الساعة الثامنة مساء. حينما يحضر ، يدق الباب علينا ،نهرول بسرعة لفتح الباب و إلا أصابتنا من يده السوداء الضربات الثقال. حينما اشتروا لي بنطالا للعيد الصغير اشتروه أسود اللون ، بكيت و غضبت كثيرا في المحل ، إنني أريد اللون الأخضر أو الأزرق لا أريد اللون الأسود. حينما شاهدت خالي “ضيف” بلونه الأسمر وطوله الفارع و قوته في مواجهة الأخرين و كيف أنه في إحدي المرات ضرب خمسة رجال بمفرده وكانت صرخته في الحارة كالأسد ، تغيّر غضبي من اللون الأسود وأصحبت لاأكرهه ، فها هو خالي مثلي في اللون ويفوق الرجال. 

لكم سألت أمي عن لوني و هل مع الاستحمام سيقل لوني وسأصير أبيض اللون مثلها ، ولكنها تضحك علي كلماتي وتضمني لصدرها و تخبرني بأنني إذا تناولت طعامي و سمعت الكلام سيتغير لوني إلي الأبيض أو اللون الفاتح . تضحك وأنا أنكس رأسي بشعري الأسمر وأفكر في حيلة لمواجهة الغد و مضايقات من يجلسون معي في نفس التخته في الفصل ويسبونني من آن لأخر بلوني و يقولون لي يا أسود و شتائم أخري لو أعدتها علي نفسي سأبكي بسرعة.

حينما تفوقت في إحدي المرات في إحدي المواد الدراسية وكنت الأول علي الفصل ، هنأتني مدرسة اللغة العربية أمام الفصل و نعتتني بالأسمر ذي القلب الطيب و المجتهد. أحسست ساعتها بوجودي الأخر وأن لوني الأسود لم يعد أسود بل صار أمرا عاديا، وأنني أستطيع أن أصبح الأفضل. لم أتوقف عن المذاكرة و التفوق حتي صار الكل يقترب مني و نسوا لوني الأسود. لاأزال أتذكر هذه الأيام و أنا أقلب في أوراقي القديمة ،وأتذكر درس الصف الخامس الابتدائي في كتاب المطالعة عن “سمير والبلبل” و كيف كان سمير يحب البلبل بلونه الأسود.  

—————-

 قصة خاصة لصحيفة قريش – ملحق ثقافات وآداب – لندن

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    الاخبار العاجلة
    WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com