قصص تنثرُ اللهفة في بيوت الطيور من سناء شيڤبيرت

26 نوفمبر 2019
قصص تنثرُ اللهفة في بيوت الطيور من سناء شيڤبيرت


تحفٌ ثمينَة

سناء شيڤبيرت

قاصة من فلسطين

مقيمة في ألمانيا – برلين

1- مكتبُ الرَّهن:

وجدت نفسهَا وحيدة، تُعيل طفلة بمرتب شهري ضئيل، أجبرها على البدء برهن ما ورثته عن والدتها من حلي وتحف ثمينة.

كانت تتردد على مكتبه الصغير  كُلَّما ضاقت بها الحال، فتحصل على مبلغ مقابل رهن تتركه لديه ولا ترجع في المدة المحددة لفك أسره، ما يعطيه  حق التصرف به.

كان معروفا في المدينة بجشعه وحبه لجمع المال، والكثيرون كانوا يتحاشون  تحيته، أو الدخول معه في أحاديث خاصة.

مضت عدة سنوات تخلت فيها عن أشياء، كانت تعني الكثير لها. حاولت جاهدةً تناسي تلك الحقبة الحزينة من حياتها، والاهتمام بعملها الجديد الذي بدأ ينتشلها وابنتها من حالة العوز المزمنة، وانتقلت للعيش في حي آخر  بعيدا عن مكتب الرهن،  الذي سلبها تاريخا يأبى تركها. 

وفي يوم عيد ميلادها فوجئت برسالة من محامٍ، يطلب منها الحضور لاستلام إرث تركه أحدهم لها، لتجد أنه قد رد لها كل ممتلكاتها، التي أخذت تتأملها بفرحةِ مَن عاد إليه عزيزٌ فَقَدَ الأمل في رؤيته: فطغى التفكير في لغز رجوعه على بهجة اللقاء.

___

2- اختلاسُ النَّظر:

بدت الشمس مترددة في الرحيل من سماء الشمال، وكأنها تشعر بالذنب لما تخطط له من غياب.

ظهرت حزينة وهي تودع الأشجار العارية، وتتوارى ببطء وراء أحد الجبال، تاركة للرعيان وشاحا مخضبا بألوان تشبه وهج النيران المتصاعدة من مواقدهم.

لمحتها وهي تقف وسط حديقتها، تشاركني تلك اللحظات من اختلاس النظر إلى ما تبقى من نور في السماء، وتابعتُ خطواتها المثقلة بأصيص تسكنه زيتونة فتية، حمَلَتْهُ إلى منزلها لترفع عنها كأس الفناء المحتم في العراء.

وبحماس رجعت، لتنثر  في بيوت الطيور الخشبية الصغيرة بذورا تؤازر بها صمودها في مواساة الشمال. 

ألقتْ نظرة متفحصة أخيرة على الحديقة وتوارتْ في بيتها، الذي أنارته بشموع، تُبارِكُ بها آثار شمس مودعة وخطوات شتاء قادم.

___

3- سائق تاكسي:

يجلس وحيدا، في قمرة منعزله، يشرف على تنظيم حركة القطارات في المدينة، أثناء النهار.

وفي الليل يعمل سائق تاكسي، يستمع إلى قصص البشر، بحثا عن مكان مؤقت له فيها. يسأل المسافرين منهم عن وجهات رحلاتهم، ويتصرف وكأنه يعرفها. 

ينقل السكارى من زبائنه إلى بيوتهم، ويقف من خلال مسايرتهم على مخاوفهم، التي يستنجدون بالخمر عليها. 

يكتشف عالم بائعات الهوى والأقدار، التي رمت بهن فيه، وفي آخر الليل ينام في حضن عزلته، سعيدا ببقائه ضيفا على البشر وحياتهم.

___

4- الشَّايُ التُركي:

لسنوات كانت ترافق أحفادها إلى الحدائق العامة،  تلهو معهم،  وتجر  بلياقة عربة أصغرهم أمامها. أمَّا الآن فهي تدفع – بجهد – عربة المشي الخاصة بها باتجاه المقهى، حيث تلقي بجسدها على أحد المقاعد، تنتظر الشاي التركي، الذي تطلبه كل مرة دون أن تشربه.

تربتُ على شالها الصُّوفي، وكأنَّها تستغيث به من رياح الخريف الباردة، وتنظر إلى عقب سيجارة تحتضر في منفضة.

وترقب أطفالًا، ينبشون حبات الكستناء في أوراق الأشجار المتناثرة بكثافة على أطراف الشارع العام

ليبيعوها لحراس الغابات،  الذين يستميلون بها ضحاياهم في موسم الصَّيد.

قصص  خاصة لصحيفة قريش – ملحق ثقافات وآداب – لندن 

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    الاخبار العاجلة
    WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com