الخبيث أو كوفيد – 19 يخاطبكم
عبد العالي بركات
قاص من المغرب
أرجو أن لا تسيئوا الظن بي، أنا لست خبيثا كما يعتقد بعضكم، أنا لست عدوكم، أنا لا أريد لكم سوى الخير، تتعجبون، أليس كذلك؟ أتفق معكم، الآلاف منكم إن لم أقل الملايين قد كانت نهايتهم على يدي.
مع ذلك اسمحوا لي أن أقول لكم: أنا كائن واقعي، هناك من يعتبرني حقيرا وأضعف كائن على وجه الأرض وأن مجرد رغوة صابون تافهة بمقدورها أن تضع حدا لحياتي.
لكن، مهلا، إن قوتي أستمدها من إيماني بأن ما أقوم به ليس عبثيا ولا مجانبا للصواب، فضلا عن أنني كما سبق لي القول: كائن واقعي، أكره النفاق والمجاملات الزائفة مثل كرهكم للأخبار الزائفة.
لطالما كنت أراقبكم من زاوية بعيدة وأشمئز من تصرفاتكم، ومع ذلك كنت أتمالك نفسي ولم أكن أحرك ساكنا، لكن إلى متى؟ كنت أقول مع نفسي: هؤلاء الناس، سوف يهتدون، غاديين يديروا عقلهم، كما يقال بالدارجة، وسوف يدركون آجلا أم عاجلا أن ما يقومون به يتعارض مع الطبيعة ومع المنطق، لكن بدون جدوى، لا شيء من ذلك قد حدث، انتظرت طويلا طويلا، دققت الجرس عدة مرات قبل أن أقوم بهجمتي القاسية والشرسة، لكنكم لم تولوا أي اعتبار لذلك.
ماذا كنتم تظنوني فاعلا بكم؟
لم يكن من السهل علي القيام بما قمت به، كان قرارا صعبا، فأنا مجرد كائن – كما تدعون بسبب نرجسيتكم- ضعيف وحقير وأن مجرد رغوة صابون صغيرة وتافهة بمقدروها أن تمحوني من الوجود.
من حقكم أن تنعتوني بما تشاؤون، إنني أتصرف بما يمليه علي ضميري، وأنا مرتاح البال.
أعذروني إن كنت قد أعدمت أعز الناس لديكم، لكن لم يكن أمامي خيار آخر.
لقد فكرت مليا في الأمر، فكرت وخططت، فكرت في كل الطرق التي بإمكانها أن تعيدكم إلى رشدكم دون إراقة قطرة من الدم، لكن كان لا بد من التضحية، لا يجب أن يغيب عن بالكم أنني أنا كذلك أضحي، كان من الممكن لي أن أظل جالسا مستريحا، أتفرج عليكم، لا أفعل شيئا، لا أدخل في حرب معكم، لكن نفسي في أنفي كما يقال، لم أحتمل ما تراه عيني كل لحظة وكل حين، إلى متى؟ كان لا بد من أن أتدخل، كل الخطابات التي كنت أرسلتها إليكم، لم تكونوا تحملون أنفسكم مجرد فتحها، فأحرى قراءتها وتدبر حكمتها، كنتم تقولون: هاذاك مجرد كائن حقير، ولا ينبغي أن نشغل بالنا به وبترهاته.
كان إذن لا بد من أن أتدخل بعنف هذه المرة، انطلقت من أقوى بلد عندكم، هو الصين، حتى لا تتهمونني بأنني احتقرت بلدا ما ضعيفا، فعلا كان تدخلي عنيفا جدا، وأنا أقدم اعتذاري من الآن، ليس خوفا منكم، لكن أرجو أن تتفهموا موقفي، لم يكن ممكنا لي أن أظل أتفرج على ما يحدث أمامي في أكثر من بلد، لقد بالغتم كثيرا جدا، وكان من الطبيعي جدا أن أثور وأهاجمكم بوسائلي الخاصة التي تعتبرونها حقيرة.
سامحكم الله.
كنت على وعي بأن قراري هذا سيكون مكلفا بالنسبة لكلانا، لكن ما باليد حيلة، كان لا بد لي من التدخل، لقد استنفدت كل الطرق السلمية.
كان لا بد من التضحية لكي يسود الوعي، وهذا ما أريدكم أن تفهموه وتستوعبوه جيدا، أتسمعونني؟
فعلا، كان من الممكن لي أن لا أتدخل وأدع الأمور تسير حسب مجراها المعتاد، أنا مالي؟ لهلا يقلب بوها! كما يقال بالدارجة، وأعتذر إذا كنت أتلفظ من حين لآخر ببعض الكلمات باللهجة العامية، فأنا ما شي لخاطري، إن ما تفعلونه لم يعد محتملا، إنه فوق طاقة أي احتمال كيفما كان، إلى متى؟ إلى متى ستظلون تتصرفون بدون وعي؟ نحن في سنة 2020، فيقوا يا بني آدم.
إذن، كان لا بد لي من أن أتدخل بكل هذا العنف، في محاولة لإرجاعكم إلى رشدكم، وفي ظني أنني توفقت إلى حد ما.
لقد بلغ إلى علمي أنكم بمجرد أن تمحوني من الوجود، سوف تجلسون حول طاولة النقاش وسوف تراجعون أوراقكم. أتمنى أن تكونوا صادقين.
أنا في الانتظار.
لكن المعركة لم تنته بعد. اسمحوا لي، لقد كنت جد قاس معكم، لم يكن لدي مع ذلك خيار آخر.
في واقع الأمر، لقد انتظرت طويلا، يا ما دققت الجرس، لكنكم لم تكونوا تريدون أن تنتبهوا إلي.
كنتم تستهزئون بي، وكنتم تقولون لبعضكم البعض: هاذاك مجرد كائن ضعيف وحقير وأن رغوة صغيرة من الصابون بإمكانها أن تمحوني من الوجود، وكنتم تضحكون وتتباهون بأنكم اكتشفتم بسرعة السلاح المضاد لي، أو ما تسمونه اللقاح.
لكن غاب عن أذهانكم ربما أنني أتجدد، لقد خرجت إليكم أخيرا في حلة جديدة، وأسميتموني: كوفيد- 19، وأنا لا اعتراض لي على هذه التسمية مطلقا، فلو لم أكن مهما، لما أطلقتم علي إسما بالأساس، لم أكن مع ذلك غريبا عنكم، فأنتم تعرفون جيدا سلالتي الطيبة، تعرفونني بمظهري التاجي، ولعلمكم، فهذا التاج الذي نحيط به أجسامنا المكروسكوبية، ليس للتباهي كما تعتقدون، بل منه نستمد قوتنا القتالية.
لقد كان لا بد أن أطور قدراتي القتالية، وعلى ما يبدو فقد نجحت في مهمتي إلى حد ما، وإذا لم تصدقوا أنفسكم، أخرجوا قليلا مما تسمونه حجركم الصحي، تأملوا الوجود، هل ما يزال كما كان من قبل، قطعا لا، استنشقوا الهواء وردوا علي الأخبار، أنظروا إلى عيون بعضكم البعض، هل ما يزال إحساسكم تجاه بعضكم البعض كما كان عليه الوضع في السابق؟ بالتأكيد لا.
كانت مهمة صعبة بالنسبة إلي، الحق يقال، أنتم تعرفون أنني لا أقول إلا الحقيقة، لكن عجبا، كيف أمكن لي أنا الكائن الأضعف على وجه البسيطة، أو هكذا تتصورونني على الأقل، كيف أمكن لي مواجهة ما يفوق خمسة ملايير من البشر، منكم من بلغ شوطا بعيدا في
الابتكار والاكتشافات العلمية: الطب، العتاد الحربي، الفلك، وهلم جرا.. أنا الذي تكفي رغوة صغيرة من الصابون محو أثره من الوجود،
كيف أمكن لي تحدي كل ذلك، كيف أمكن لي ترويع البشرية برمتها، بالله عليكم، قولوا لي: كيف، كيف، كيف أمكن لي ذلك؟
منذ ما يزيد عن خمسة أشهر وأنا أحاربكم بدون كلل ولا ملل، ومنكم من اضطر إلى تمديد الحجر الصحي لعدة أسابيع أخرى، ومنكم ما لا يزال مترددا، لا يعرف كيف يتصرف.
إنني أستمد قوتي من إيماني بأن ما أقوم به هو الصحيح، لا يصح إلا الصحيح.
كان لا بد لي أن أستخدم كل ما أملك من دهاء، لا هذا فقط جزء يسير من دهائي، وكما يقال: الحرب خدعة.
اطمئنوا لن تنقرضوا كما زعم بعضكم، أنتم بشر ولستم ديناصورات وأنا لست أحمق لكي أجعلكم تنقرضون، أنا أحبكم وأموت عليكم ولا أريد لكم سوى الخير وإن كنت قد قتلت الكثير منكم!
أنا أريدكم أن تبقوا.
أعذروني، لم يكن أمامي خيار آخر، سموني ما شئتم: خبيث، حقير، عدو، بلاء، وباء، جائحة، فيروس.. مقبولة منكم.
قصة خاصة لصحيفة قريش – ملحق ثقافات وآداب – لندن
عذراً التعليقات مغلقة