بريد الأبجدية.. قصيدة لشاعر الجماليات العليا عبد السلام بوحجر

10 أبريل 2020
بريد الأبجدية.. قصيدة لشاعر الجماليات العليا عبد السلام بوحجر

بريد الأبجدية(*)

عبد السلام بوحجر

شاعر راحل من المغرب

1
قَمَرٌ إِلَى قَمَرٍ
سنبقى شاعرينِ مسافريْنِ
إلى مدينتنا البعيدة يا صديقةُ
قد و جدنا في القصيدة ماءنا و سماءنا
و حضورنا في ساحة الحرف النبيلْ
2
لا..لن ننام على وصايا الحاسدينَ
و كلِّ تجار القصيدة بعدما
وقفوا على أكتافنا
كي يُظْهِرُوا للآخرينَ بأنّهمْ
أهلُ المجاز ِ  و أنَّهم أهل الـــــــــــــــــــــــبَدِيلْ…!
3
قَدَرٌ عَلَيْنَا أوْ لَنَا
أن يستبدَّ بنا رُعاةُ بلاغةٍ جوفاءَ!
هذا لا يهمُّ الآنَ!
لكن الحكاية أنَّنا
بالشِّعر زوَّجْنَا الغزالةَ لِلْغَزالِ كَمَا أَرَادَا
مَا أَرَدْنَا أَنْ نَبِيعَهُمَا لِنَرْبَحَ
أوْ لنصنعَ مِنْ جُلُودِهِمَا الطُّبولَ لِغَيْرِنَا
وَ الْوَقْتُ سيِّدُهُ بَــــــــــــــــــــــــــخِـــــــــــــــــــــــــــــيـــــــــــــــــــــلْ…!
4
مَا يَنْفَعُ الْإِنْسَانَ يَبْقَى
فِي الْبَسَاطَةِ وَ الْحَقِيقَةِ شَمْسُنَا
أوْ ظِلُّنا وَ ضَلَالُنَا
مَا دَامَ في دَمِنَا دَمٌ يَهْفُو  إِلَى أَجْرَاسِهِ الْعُلْيَا
أَ لَيْسَ لَنَا اتِّجَاهٌ وَاحِدٌ يَبْدُو…
وَ أُفْقٌ وَاحِدٌ يَبْدُو…
وَ نَايٌ وَاحِدٌ يَشْدُو…؟
فَآهٍ لَوْ غَدَوْنَا وَاحِدًا فِي وَاحِدٍ
وَ لِواحدٍ نَمْضِي عَلَى دَرْبٍ طَـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــويـــــــــــــــــــــــــــــــــــلْ…!


5
وَ الْبَدْرُ  يَعْلُو
عَنْ سِيَاجِ حَدِيقَةِ الشُّعَرَاءِ وَ الْعُشَّاقِ…،
يَسْكُبُ ضَوْءَهُ الصَّيْفِيَّ وَ الصَّافِي
عَلَى أَوْرَاقِنَا الْمُتَنَاثِرَاتِ
وَ بَيْنَ أَعْمِدَةِ الضِّياءِ
وَكَرْزَتَا الثَّغرِ المُعافَى تَدْعُوَانِي
لِارْتِشَافِ النَّبْعِ فِي الظِّلِّ الظَّــــــــــــــــــــــلِــــــــــــــيــــــــــــــــــــــــــــــلْ…!
تَتَوَالَدُ الْأَشْيَاءُ…
تَخْرُجُ مِنْ حَدِيقَتِهَا الْحَدِيقَةُ
مِنْ مَنَازِلِهَا الْمَنَازِلُ
أَنْحَنِي وَ أَنَا أُحَاصِرُهَا قَلِيلًا
تَحْتَ أَقْوَاسِ الرُّمُوشِ الْمُسْتَبِدَّةِ
كيْ أمُرَّ إِلَى رَهَافَتِهَا الْعَمِيقَةِ عَلَّنِي
أَحْظَى لَدَيْهَا بِالْقَلِيلِ مِنَ الْقَـــــــــــــــــــــــلِـــــــــــــــــــيـــــــــــــــــــــــــلْ:

6
تُلْقِي قَصِيدَتَهَا عَلَى حَجَرِ التَّوَازُنِ مَوْجَتَيْنِ
تُدَغْدِغَانِ الْعُودَ وَ الْــمَوْعُودَ:
وَاحِدَةٌ تَقُودُ الرُّوحَ نَحْوَ الْقَاعِ بِالْإِيقَاعِ
أُخْرَى تَحْمِلُ الدُّنْيَا
عَلَى أُرْجُوحَةِ الرُّؤْيَا إِلَــــيَّ
وَ لَوْ عَلَى حَبْلٍ مِنَ الْأَمَلِ الـــــــــــــضَّـــــــــــــــئِــــــــــــــــيــــــــــــــــــــلْ…!
7
هَلْ تَكْتُبُ امْرَأَةٌ قَصِيدَتَهَا الْجَمِيلَةَ
ثُمَّ تسْكبُهَا عُيُونًا فِي عُيُونِ الْعَاشِقِينَ أَمَامَهَا
وَهِيَ الْقَصِيدَةُ نَفْسُهَا
مِنْ غَيْرِ أَقْرَاطٍ تُزَيِّنُ جِيدَهَا
مِنْ غَيْرِ دَقَّاتٍ تُرَصِّع كَعْبَهَا الْعَالِي
عَلَى أَرْضِ الْخُرَافَةِ
أَوْ خَلَاخِيلِ الْخَلِيلْ..؟!


8
تَتَحَدَّثُ الصَّحْرَاءُ فِي نَفْسِي: ارْحَمِينِي
دَثِّرينِي وَ انْثُرِينِي
فِي سَرِيرِ الْمُنْتَهَى
كُونِي إِلَى أَبَدِ الْجَفَافِ أَوِ الزِّفَافِ
دَوَاءَ دَائِي  دَائِمًا
أوْ فَاهْجُرِينِي يَا حَمَامَةُ إِنْ أَرَدْتِ إِلَى النِّهَايَةِ
كيْ أُطَارِدَ فِيكِ أَجْنِحَةَ الْــــــهَــــــــدِيلْ…!
9
لَنْ يَرْقُدَ الزّلْزَالُ فِي صَدْرِي
سَأَشْهَدُ أنّنِي لَمْ أَرْسُمِ الشِّعْرَ الَّذِي
رَسَمَتْهُ كفُّكِ بَعْدُ أَوْ عَيْنَاكِ…
أَشْهَدُ أنَّنِي فِي الشِّعْرِ لَمْ أَبْدَأْ
وَ أَنَّ جَمَالَ كُلِّ قَصِيدَةٍ تَرْقَى إلى رُؤْيَايَ
قَبْلَ الْوَزْنِ وَ الْمَعْنَى
يُكَلِّفُني الْمُرُورَ عَلَى شَفِيرِ  الرُّمحِ أعْوَامًا
يُسَاوِي طَعْنَةً فِي طَعْنَةٍ في طَعْنَةٍ…
وَ إِشَاعَةً صَفْرَاءَ يُطْلِقُها سَمَاسِرَةُ الْكَلَامِ
لِيَحْصُلوا- عَبَثًا- على ثَمَنٍ هَـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــزيــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــلْ…!
10
أُلْقي عَلَيْهَا مَا تَيَسَّرَ
مِنْ مَوَاوِيلِي الْجَدَيدَةِ فِي الْغَرَامِ
أَقُولُ: رَأيُكِ أنتِ؟
– لَنْ يَقْوَى عَلَيْكَ سِوَاكَ يا مَلِكِي. تَقُولُ
فَيَشْهَقُ الصَّفْصَافُ في دَمِهاَ
وَ تَنْتَحِبُ الْحُقُولُ.
تَوَدُّ نَفْسِي أَنْ تُسَائِلَ نَفْسَهَا
وَ الْأَرْضُ تَمْشُطُ شَعْرَها القُزَحِيَّ أنْسَامٌ تَمِيلْ:
هَلْ تَلْتَقِي الصَّحْرَاءُ بالصَّحراءِ
فِي صَدْرِ الْحَدِيقَةِ
دُونَ أَنْ تَتَعَانَقَا جَسَدَيْنِ فِي جَسَدٍ…؟

أَ نَبْقَى يَا غَزَالَةُ هَكَذَا مُتَبَاعِدَيْنِ…
وَ حَوْلَنَا لَيْلٌ يَطُولُ
وَ هَاهُنَا وَتَـــــــرٌ..
                    وَ أَعْنَابٌ    … و رُمَّانٌ
                      أَبَاريقٌ… وَ أَكْوَابٌ تَجُولُ
وَ فَوْقَنَا قَدْ نَوَّرَ القَمَرُ الْخَجُولُ
عَلَى امْتِدَادِ الْعَيْنِ عُشّاقٌ
عَلَى عُشْبِ الْهَوَى يَتَعَانَقُونَ
وَ يَرْحَلُونَ إِلَى الْمَدَى
يَطْوُونَ هَذَا اللَّيْلَ فِي قُبُلاتِهمْ حُبًّا
كَمَا نَطْوِي مَلَابِسَنَا الْأَنِيقَةَ فِي الْحَقَائِبِ
حِينَ يَدْعُونَا الرَّحِيلُ إِلَى الــــــــــــــــــــــــرَّحِــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــيلْ…؟؟

11
هلْ يُولَدُ الإِبْدَاعُ مِنْ ضِلْعِ الْخَطِيئَةِ دائمًا

وَيَكُونُ أَجْمَلَ كُلَّمَا

مَالَتْ بِهِ رِيحُ الْغِنَاءِ

عَنِ الْوَصِيَّةِ وَ النَّصِيحَةِ

وَ الشَّرِيعَةِ

ثُمَّ حَادَ عَنِ السَّبيلْ…؟
12
أَ نُحِبُّ أفْضَلَ حِينَ تَلْبَسُنَا الكُهُولَةُ في الْبِدَايَةِ؟

هَل نَرَى الدُّنْيَا الْجَمِيلَةَ مِنْ عُيُونِ عُقُولِنَا

وَ قُلُوبِنَا
لا منْ عيُونِ جُلُودِنَا؟

اَلْجِسْمُ يَنْضُجُ في بلادِ الشَّرْقِ قَبْلَ العَقْلِ أَحْيَانًا

وَ  يُثْمِرُ كَالنــــــَّخِـــــــــــــــــــيــــــــــــــــــلْ…!
13
لَا أَسْتَطِيعُ إلى النِّهايَةِ

أَنْ أحاصِرَ رَغْبَتِي وَ تَوَازُني

في حَضْرَةِ امْرَأَةٍ تُحاصِرُ خُلْوَتِي

بِنَبِيذِ عَيْنَيْهَا

تُعَلِّمُنِي يَداها كَيْفَ أَرْسُمُ صُورَتِي

وَاسْمِي عَلى حَجَرِ الْأَبَدْ

وَ تَقُودُ إِحْسَاسِي وَ أَنْفَاسِي إِلى عَسَلِ الْجَسَدْ

وَ تُحَرِّضُ الْعِطْرَ الَّذِي

يَنْشَقُّ مِنْ بُسْتَانِها السِّرِّيِّ،

ضِدَّ رَزَانَتِي…ضِدَّ الْحِيَادِ.

فَحِكْمَةُ الشُّعَراءِ تَهْزِمُهَا الْعُطُورُ

تَقُولُ: إنْ أَحْسَسْتَ يَوْمًا بالكآبة   يا وَلَدْ

زُرْنِي هُنَالِكَ، رُبَّمَا يُشْفيكَ تُفَّاحُ الْبَلَدْ!

وَ اذْهَبْ عَمِيقًا في حَنِينِكَ لِي…

وَ لَا تُتْعِبْ ضَمِيرَكَ بالوَصَايا دَائِمًا

لا تُرْهِقِ  الْقَلْبَ الـــــــــــــــــــــنَّـــــــــحِـــــــــــــــــــــــيــــــــــــــــــــــلْ…!

14
… وَ رَمَتْ إِلَيَّ رِسالةً ضَوْئيَّةً قبلَ السّفَرْ:

كُنْ رَائِعًا كَشَقَائِقِ النُّعْمانِ…!

كُنْ مِثْلَ النَّدَى…!

خُذْ رَأيَ شَاعِرِ بَعْلَبَكَّ

وَ أنْتَ تَأْخُذُهُ عَلَى إِيقَاعِكَ العَالِي

إلى شَمْسٍ تُطِلُّ عَلَيْهِ مِنْ شَرْقِ الْفُؤَادِ :

أَراكَ تَنْقُشُ وَجْهَكَ الْعرَبِيَّ

و الذَّهَبِيَّ في سَقْفِ السَّمَاءْ…!

وَ اغْزِلْ نَشِيدَكَ

حين تَكْبُرُ جَوقَةُ المُتَطَفِّلينَ على الْغِنَاءِ

على مقامِ الْإنْحِنَاءِ

و في الخفاءِ..

و لا تَقُلْ قد غَيَّبوكَ…و عَذَّبوكَ…

وَ حاصَروكَ… و حَاربوكَ اليومَ !

لا تَغرَقْ كثيرا في نَبيذِكَ و انتِحَاركَ

لا تَفِرَّ إلى فرارِكَ

و انتصارِك َ في انكسارِكَ يا صَديقَ العُمْرِ

فالأصْحابُ ينتظرونَ سَقْطَتَكَ الأخيرةْ

في كلِّ يَوْمٍ كيْ يَسِيرُوا في جَنازَتِكَ الكَبِيرَةْ !

و ا غْزِلْ نشيدكَ في رَحِيلِكَ نَحْوَ فَجْرِكَ

سَوْفَ أَبْقَى دَائِمًا فِي لَيْلِ بَحْرِكَ

خلفَ ظهرِكَ

كَيْ تَرَانِي قُرْبَ صَدْرِكَ

مِثْلَ رِيِحٍ رَخْوَةٍ تَسْرِي وَرَاءَ شِراعِكَ الْعَالِي

لِيَأْخُذَهُ الْحَنِينُ مِنَ الْجَمِيلِ إِلَى الْجَمِيلْ…!!
15
بِشُعَاعِ جَفْنَيْهَا و لَيْلِهِمَا وَ ظِلِّهِمَا / الـْمــُثَنَّى

تَرْتَدِيكَ مُعَذِبًا و مُعَذَّبًا

تَرْمِي بَيَاضَكَ فِي سَوَادِ سَوَادِ عَيْنَيْهَا…

وَ تَمْضِي نَحْوَ حُجْرَتِهَا…وَ هِجْرَتِهَا…

لِتَتْرُكَ في يَدَيْكَ  نَدَى زَبَرْجَدِهَا يَــــــسِــــــــيلْ..

وَ نَسَائِمُ الأُنْثَى تقُولُ:

أَنا الحُضُورُ …أنا الغِيَابُ..

أَنا النَّـــعِــيمُ….أَنا  الْعَذَابُ..

أَنا السُّــــــؤَالُ…أنا الْجَوابُ..

أَنَـا الــــــدَّلَالُ… أَنا الدَّلِيــــــــــلْ…!
16
و لَقَدْ وَجَدْنَا في بَرِيدِ الْأَبْجَدِيَّةِ

مِنْ هُنَا حتَّى هُنَاكَ

وَ مِنْ هُنَاكَ إلى هُنَا عَبْرَ السِّنِينْ

ما قَدْ يُدَاوِي بِالصَّدَى صَدَأَ الْحَنِينْ

حَتَّى نَظَلَّ على وفاءٍ غَيْرِ مَكْتُوبٍ و مَنْطُوقٍ

كَأَنْ نَتَبَادَلَ الْأَشْعَارَ و الْأَخْبَارَ كَيْ لا نَنْحَنِي

في رِحْلَةِ الْإِصْرَارِ و الْآلامِ …أَوْ نُلْقي قَصِيدَتَنَا

عَلى حَجَرِ الرَّصِيفِ، وَ نَـــــــــــسْـــــتَـــــقــــــــــــِيــــــلْ…!
17
قَمَرٌ إلى قَمَرٍ.
   
       سَنَبْقَى شَاعِرَيْنِ مُسَافِرَيْنِ إِلَى مَدِينَتِنَا..
      
        تُوَحِّدُنَا صَدَاقَتُنَا الْبَرِيئَةُ

        ثُمَّ نَبْقَى عَاشِقَيْنِ مُعَذَّبَيْنِ
              
                 عَلَى اتِّصَالٍ مُـــــــــسْــــــتَــــــحِـــــيــــــلْ..!

 (*) قصيدة من ديوان (ستة عشر موعدا) فصل”أصداء الرحيل” للشاعر الراحل عبدالسلام بوحجر لم يسبق له نشرها في أي مجلة أو جريدة أو موقع إلكتروني.

قصيدة خاصة لصحيفة قريش – ملحق ثقافات وآداب – لندن

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    الاخبار العاجلة
    WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com