بقلم: د.السيد نجم
صدر مؤخرا الكتاب النقدي للشاعر والناقد العراقي عذاب الركابي كتاب (سحر النيل) عن دار الهلال ضمن سلسلة كتاب الهلال 2020.
لعل التوطئة التي سجلها الكاتب في مقدمة الكتاب تشي بالعديد من الملامح التي نسعى لكشفها لدى القاريء، يقول (الركابي): (هؤلاء المبدعون.. نغمة من نغمات صوت النيل العظيم، المموسقه أمواجه، ونسماته بهمس أرواحهم المعذبة بعشقه الذي غدا بشروط الصلاة… ولي الحق في أن أحتفي بنزيف أصابعهم… في أعمالهم الشعرية والقصصية..)

ينقسم الكتاب الى قسمين: أولهما القسم الشعري حيث يضم قراءة للشعراء على الترتيب (أحمد فضل شبلول-جرجس شكري- عبد العزيز موافي- فاطمة ناعوت-مفرح كريم) أما القسم الآخر يضم القصاصين (إبراهيم أصلان- إبراهيم عبد المجيد-خالد محمد غازي-حسن اللمعي- سهير شكري-محمد المخزنجي).. أما الروائيون هم (السيد نجم- سيد الوكيل- عزت القمحاوي- علاء الديب- محمد الجمل- نجيب محفوظ) .
يشي هذا التقسيم لفصول وموضوعات الكتاب ٳلى ان الكاتب يتناول بالنقد فنون السرد من قصة ورواية باﻹضافة إلى الشعر.. كما أنه يتخير كتابا أو إصدارا واحدا للعرض.. وهو بذلك استطاع تقديم عددٍ غير قليل من الكتب في الرواية والقصة والشعر.
كما يمكن ملاحظة أن الكتاب والكتب التي تمّ عرضها هي من الكتاب المعاصرين مع كتابتهم الجديدة بما ينبه إلى توافر إمكانية البحث عن المشترك والمختلف ضمن إبداعات هؤلاء المبدعين.. مما يعطى للكتاب أهمية الرصد المقارن للأدب المعاصر. نتخير من كل قسم كاتبا وكتابا للتعرّف إلى آليات الناقد والدلالات الابداعية داخل الكتاب الابداعي.
..قسم الشعر: ديوان “يد على كتف الميدان” للشاعر “مفرح كريم“.. ( ضع يدك على كتفي/ وأنا يدي على كتفك/ ونتمايل/ كالشجر الواقف في بحر الريح/ نميل يمينا/ ويسارا/ ونجاري التيار الغاضب)- ص5.
واضح أنها من القصائد التي يطلق عليها قصائد المناسبات بسبب سرّ كتاباتها أثناء أحداث ثورة يناير 2011م، وكثيرا ما ينظر إلى إبداع المناسبات بكثير من الضجر والتشكك في فنيته، كما النظر في أدب الحرب أيضا.
وهو بالضبط ما انتبه اليه الناقد عذاب الركابي فبدأ تناوله بقوله: (رغم كل ما يكتب من نقد حول شعر الأحداث والمناسبات، وملخصه أنه حالة ضاجة من الحماس والانفعال بما جرى ويجري..) ويتابع (هو انفعال مصهور بوعي، تحول إلى تظاهرة غاضبة،… مكتوبة بخضرة شجر الإبداع الحقيقي الصادق..).
وفى الختام يقول الناقد في الديوان لم يقل الشاعر شيئا، ولكنه فعل الكثير، مما ينقذ ذاكرتنا من صدأ النسيان، ويخرج الوطن- العزيز من سجن الجغرافية البليدة، وخرائط الأنظمة المستبدة ٳلى حقول الحلم، ومياه أرواحنا في اللازمان!
قسم القصاصين.. مجموعة “أوتار الماء” لمحمد المخزمجي: (أحسست أنك هي المخلوقة التى تخصّني تحديدا، وبدت التفاتة وجهك الشاحب نحوى اشراقة قدر لا نهائي التواجد ) ص9..
(كان هذيانك في بدء صحوك طيبا مثلك، وتيقنت أن لي في داخلك الكثير.. قبلتك وعابثت هذيانك ووجدتك كما في تمام صحوك نقية من كل ابتذال) ص10
تلك الروح الشعرية وهذا الأسلوب الشعرى عند القاص (المخزنجي) دفع الناقد (الركابي) في أكثر من موضوع يصف النص النثري بالشاعرية، وهو ما اعترض عليه البعض مرجعا ذلك إلى كون الناقد من شعراء العربية الجادين والمهمين أيضا، ما تلاحظ معه أن بدأ قراءته لنصوص تلك المجموعة بقوله:
(قلت مرارا ان القصيدة حالة عشق! ووجدت من ينفي عني تهمة انحياز للشعر، وهو يرفع صوته الدافيء معي ويبرهن أن القصة حالة عشق أيضا، بل الإبداع كله يخرج من متخيله الضروري الذى وضعه فيه آندرية مالرو فى كتابه (اﻹنسان العابر والأدب) الى أنه حالة انسانية شفافة وأرقى حالات العشق.)
وفى الختام يصف الناقد المجموعة بنزيف مستمر متوج بلذة دائمة، وذلك هو محمد المخزنجى كاتب مشحون بالدهشة والجذب وبعيدا عن الترهل والضجر!
قسم الروائيين.. رواية “نبؤة الحكيم آبور” للروائي السيد نجم: (ينهض الفرعون حاكم مصر من غفوته يصيح.. آتونى به، أحضروه فورا.. لن أتركه هذه المرة، ولو أخبروني أنه في كبد السماء، أو في جوف الارص) ص12..
وصف الناقد تلك الرواية بالكتابة الحلم! والأحلام أوصاف بتعبير توماس مان ، وللأحلام لغتها .. فالنيل يبوح صمتا والفرعون إله الارض يحلم ولا يشاركه الحلم والحكم والتقديس إلا الإله (حابى) – النيل إله الفراعنة والاثنان معابدهما عدد ذرات الارض ومعابد الفرعون تملا الأرض ومعابد النيل تملا القلوب.
يتبادل الشاب الكاتب (آبور) ونبوءته البطولة في السرد.. والنبوءة وهي تقلق الفرعون الذى تعاهد النيل أزليا على الصفاء والنقاء والدواء الشفاء من كل الأمراض والعلل التي قد تحل بالبلاد .. وأيّ تلوث للنيل نذير شؤم.
فى ختام القراءة الذكية للناقد كتب يقول: فى رواية نبؤة الحكيم آبور السارد والمسرود ضمير الواقع..! وكلاهما لحظة تنبيه وحذر ويقظة عبر عطر الفكر والوعي.. وذلك مصدر الجذب والجمال في الرواية.
(وفي انتظار الجزء الثاني من الكتاب النقدي المهم “سحر النيل” للناقد والشاعر العراقي “عذاب الركابي).
Ab_negm2014@yahoo.com
عذراً التعليقات مغلقة