تقديم كتاب ” الثقافة والسياسة” : للباحث المغربي في السوسيولوجيا ،
والنقد السينمائي فريد بوجيدة
الثقافةُ والسياسة .. جدلية العلاقة وسُؤال المسار
الزبير خياط
شاعر وكاتب من المغرب
الثقافة والسياسة هو الاصدار الفكري الأول للأستاذ فريد بوجيدة . إذ أن أغلب كتاباته الفكرية والفنية كانت متفرقة بين الجرائد والمجلات منذ تسعينيات القرن الماضي . غير أن تفرق الكتابات لا يعني انفراط خيط وحدة التصور والرؤيا ذلك أن الفكر التقدمي اليساري كان البوصلة التي وجهت كتاباته مع حضور حس نقدي مسائل ومخلخل للبديهيات . ومعترف بحق الاختلاف يناقش ولا يصادر .
ثقافة الأستاذ فريد كذلك ثمرة مقروء كثير وعميق وكذلك ثمرة نقاشات طلابية منذ ايام ظهر المهراز في الثمانينيات وجمعوية بفعل الانخراط في عدة جمعيات تهتم بالسينما والمسرح والادب والفكر .
وثمرة نقاشات عميقة مع مثقفين وفنانين هم أصدقاء الكاتب في الجلسات الخاصة التي يحبذها. إن الاستاذ فريد يتناول الثقافة والسياسة من موقع المثقف العضوي الذي تعاطف كثيرا مع الاحزاب اليسارية في مواقفها ونضالاتها وانخرط فيها من موقعه الثقافي والنقابي وهذا الكتاب ثمرة المقروء والساحة .
في تقديمي للكتاب سأتناول الثقافة والسياسة من خلال عنصرين هما جدلية العلاقة بينهما كما يوحي بذلك العنوان الرئيسي للكتاب ثم سؤال المسار كما يوحي به العنوان الإضاءة.
1 – الثقافة والسياسة: جدلية العلاقة
لم تعرف المرحلة الوطنية من تاريخ المغرب الحديث انفصالا بين الفعل السياسي والفعل الثقافي ذلك أن المناضل الوطني مثل علال الفاسي كان يحمل في جبته المشروع الثقافي .
كذلك كان المثقف القومي مجسدا في محمد عابد الجابري منخرطا في النضال السياسي بعد الاستقلال . وكان مناضلو اليسار على اختلاف توجهاتهم متشبعين بالأدبيات التي تمتزج فيها السياسة بالثقافة . كانت المرجعية الماركسية راديكالية او إصلاحية فعلا ثقافيا وسياسيا طبع مرحلة السبعينيات ، وكان الصوت السياسي متماهيا مع الصوت الثقافي. وقد يطغى أحدهما على الاخر دون أن يتجاوزه . فشخصية علال الفاسي مثلا ارتبطت بالزعامة السياسية التي عرف بها في الوجدان الشعبي في مرحلة ما قبل الاستقلال وظلت صورة الزعيم غالبة على صورة المثقف السلفي الذي حمل مشروع النهضة من هذه المرجعية .
ظلت صورة المثقف خلف صورة الزعيم ولكنَّها كانت توجهها وتقودها نحو مشروعها . بالنسبة للجابري كانت صورة المفكر المثقف القومي هي الغالبة ، لكن الجابري السياسي ظل حاضرا كذلك في المشهد المغربي . كانت جدلية السياسي والثقافي حاضرة في صورة الزعيم والمفكر . وحين يتحدث الكاتب عن مفكر أكاديمي هو عبد الله العروي فإن صورة المثقف الغالبة عليه لا يمكن فصلها عن الاهتمام السياسي الذي لا يتلون بالحزبي وإنما بالتوق إلى الديمقراطية والحداثة .
العمل الجمعوي والحقوقي ومسار اليسار في المغرب تجلت فيه هذه الجدلية بشكل واضح. ذلك أن المرحلة المغربية التي عرفت الكفاح الوطني ضد المستعمر والصراع الطبقي ضد القصر بعد الاستقلال ثم انفراج التناوب والمسألة الحقوقية والتعددية اللغوية والعولمة بوجهها البشع كانت تحرك السياسي وفق المرجعيات الثقافية .
ظل المجتمع المغربي يمور بأحداثه ويبحث عن ذاته في الاستقلال والعدالة الاجتماعية والهوية والحداثة وقد كان الامتزاج الجدلي بين السياسي والثقافي يتجلى كذلك في بحث كليهما عن مشروعيته في الاخر . فالانتماء السياسي كان يبرر بمرجعية فكرية ثقافية تسنده والعكس.
إن الفعل الثقافي التقدمي الحداثي كان يجد سنده في اليسار والفعل الثقافي السلفي والمحافظ كان يجد سنده في اليمين . غير أن هذه الجدلية كانت محكومة بسياق ظرفي وطني وعالمي أكثر مما كانت وليدة رؤية فكرية ترسم مسار المستقبل وتبني خطواته .
2 – الثقافة والسياسة: سؤال المسار
لا يمكن أن تنفصل كرونولوجيا الوقائع التاريخية والاجتماعية في المغرب الحديث عن مسار السؤال السياسي والثقافي الذي واكبها حين تحدثت عن علاقة جدلية بين الفعل الثقافي والسياسي فان هذه العلاقة مرت بمسار تحولي وطني يبدأ بالحركة الوطنية وخطابها السلفي الذي غطى في تلك المرحلة على خطابات الحداثة والخصوصية . ثم مرحلة البناء الوطني والصراعات السياسية والاجتماعية والثقافية حول السلطة والبنيات الطبقية والهوية والمرجعية . ولئن تميزت المرحلة الوطنية بوحدة الهدف وتأجيل الأسئلة الأخرى فإن المرحلة التالية تميزت بتفجر التناقضات وصراعها من أجل نفي النقيض في الستينيات والسبعينيات والثمانينيات ، ثم التفكير في التعايش معه ابتداء من التسعينيات . كانت محطة الثورة والاصلاح والتناوب ، وكان الطرح القومي العربي والطرح الاممي والطرح الخصوصي الأمازيغي والطرح الحقوقي الذي تقوى في المراحل الاخيرة . كذلك كان المسار مرتبطا بالبيت المحتضن للثقافي والسياسي وهو البيت الحزبي والبيت الجمعوي . ولكن الكتاب لايعرض المسار بالشكل الكرونولوجي وانما يحفر فيه ويعمق اسئلته التي تبدو محرجة فبالنسبة للفكر اليساري كيف انتقل المسار من الممانعة إلى المشاركة . هل هو جرأة نقدية ؟ أم هو تقية سياسية وخضوع لسياق تاريخي فرض نفسه. والموقف من التعدد اللغوي بالمغرب انتقل كذلك من تكريس اللغة العربية الى شرعنة التعدد من طرف سياسيين ومثقفين قوميين ويمينيين محافظين فهل كان بدوره جرأة نقدية ؟ أم تقية ؟ ام خضوعا للسياق التاريخي ؟
الكتاب يحفر بامتياز في واقعنا السياسي والثقافي . يسائل الكائن ويستشرف الممكن . ويعلن عن كتابة فكرية متجردة من الحسابات والولاءات والانفعالات . أسئلة هادئة ناضجة في طرحها عنيفة في الرجة التي تخلخل بها اليقينيات والقناعات .
خاص لصحيفة قريش – ملحق ثقافات وآداب – لندن
عذراً التعليقات مغلقة