هـروبُ اللَّيـل
محمد قنور
شاعر من المغرب
إنَّه الـمُنعرج:
للكلام جداوِل دفّاقة
كُلما أصيب الوسط بنزلة قحطٍ
أتنازل عن سريري
وأبحث عن مسلك للطّامة
*
شقشقة تَنْساب
على وحل المكان
وقرص أصفر يتراءى على جدار
فأصفِق الباب خلفي لاهثاً
وراء كائن خفي اسمه الدّفء
*
حَسناً أيّها الليل
لقد حان وَقت التجلي
سَأُواسيك في علّتك المضنية
هات يديْك ثم خذ جَسَدي وروحي
*
لست مُخلفا وعدي
وأعرف أنه الـمـُنْتَصَف
فقط انتظر أوانَ اغتسالي بالدُّموع
وصراخك الهادر في عتمة الكلمات
يغويني
*
أتيه في مسالك الرقيب
محترسا فتك سهام النظرة
تلك التي تطوح بي نحو هاوية التملي
أي درب إذن
سيهديني إلى منازل الخطوة؟
*
سأحيّي كل حي وميّت أمامي
فراغ الشارع الذي أعبره بخفة
وبقايا النَّهار
ودم القتلى
وعرق الكُدّح
وأصدقاء الأمس يسرفون في الرذيلة
*
السّاطور لا يُرعبني
بقدرِ ما تُرعبني الكَلِمة
أنا حادٌّ كذلك
أنا أجرح بِصمت
وأصرخ في وجه البشاعة
*
هروب اللّيل
هذا ما سيصوغه الفَجر
أنا الذي أفصح لم أعد غاضبا
عصيا لا منتحباً أو مُبْتسِماً
انتظرُ ضوء الصباح
*
عبر هذا الدَّرب
أتسللُ كفارِس في الضَّباب
يرمقني العدُو مصفقا بيدٍ صديقة
ومعاً نَرْتشِف كأس النسيان
مؤجلين طقس الانتقام
*
في الدرب الضيق
يَعتمر قُبّعة حمراء،
بائع سَجائر على الرصيف
عيْناهُ سيفٌ في رِئات العابِرين
والرَّماد المتناثر يُغَطي حِدَّة المقايَضة
*
أيها الدرب الميّتُ
ماذا تراني أتَأمّل الآن؟
عبر مَسارك الشّائِك
وبسرْعة تـَمُرّ الحافِلات العَمْياء
تجاه ما لا شأن لظلي به
*
مَأدُبة يتيمة
ووَقت يَضغط بِــخبلٍ
هُناك كِلابٌ تقضم اللّيل بالنُّباح
ونصيبي من الإصغاء للجلبةِ كبير
*
لحظة شُحوب
وإحساس باهت
وأفكار مفقودة
تَرميني في دَوّامة البَقاء
والبَحث عن نَومٍ ضاع في مَضْجَعٍ ما
*
أكيد أجالسك كل ليلة
كلما باغتتني الذكرى
أرسُمُك كما يشتهيك الخيال
ثم أرضع من نهديك نبيذي المعتّق
وحدك أنت وحدكِ هناك
*
في الهَواء
وبِمَحْضِ الصّدفة
ألتَقِط النّسَمات العابِرة
ولا تَشْويش على الإيقاع
الذي أعزفه الآن
*
الهاجِس الذي يُؤْرِقُني
هو تَغْيير النّمط رغم التّراخي
ولا هُنا ولا هُناك
وأنا على الأرجوحة الأيام
والحياة مدْهوسة على مقعد الانتِظار
*
هُنا، انتهى الأداء
سأنزِل من خَشَبة الحياة
بعد تَوديع الزُّرْقة
وشدو العصافير ورهوها
أُسَلّم أسْلِحَتي وأسْتَسْلِم لِلبَياض
*
سيأتي زوار إليّ
يرمون قَبري بكلمات
عوضا عن أزهار
ولن أستجيب
لنداءات الحرب
***
قصيدة خاصة لصحيفة قريش – ملحق ثقافات وآداب – لندن
عذراً التعليقات مغلقة