رشيدة بنمسعود كاتبة مغربية في بيت بابلو نيرودا

16 يوليو 2020
رشيدة بنمسعود كاتبة مغربية في بيت  بابلو نيرودا

*أنواع قطع السفن ..و أجناس من الفراشات القزحية*

*شميم المكان … انطباعات من وحي زيارة منزل الشاعر بابلو نيرودا**

“la-isla negra”*

د. رشيدة بنمسعود

رشيدة بنمسعود

*كاتبة وناقدة من المغرب*

شميم المكان … انطباعات من وحي زيارة منزل الشاعر بابلو نيرودا ب “la-isla

negra”.

أثناء انعقاد مؤتمر اتحاد البرلمان الدولي في دورته 108 بمدينة سانتياغو دي

شيلي ، قلت مع نفسي لن تكتمل زيارتي لهذا البلد ولن تكون لها متعة الاكتشاف

الثقافي ، إلا بزيارة منزل الشاعر بابلو نيرودا الذي يبعد عن العاصمة الشيلية

بسبعين كلومترا ، فعلا بعد انتهاء أشغال المؤتمر سافرت إلى : ” la-isla negra

” ، حيث يوجد المنزل / المتحف و التحفة ، أثناء الطريق لم أكن لأنصت إلى

المرشدة السياحية المرافقة لنا في هذه الرحلة ، و هي تتحدث مرة باللغة

الانجليزية و ثانية باللغة الاسبانية عن مشروع بناء الشبكة الطرقية و عن

الفلاحة و أنواع الخضر و الخمور في الشيلي و عن واقع و نشاط السياحة ، بقدر

ماكنت أحاول النبش في رفوف الذاكرة عن منتوج نيرودا الشعري : ” اسبانيا في

القلب – نشيد لستالنغراد – النشيد العام – موجة تغادر الساحل – تذكار الجزيرة

السوداء إلخ…

في ” الجزيرة السوداء ” – عند مرتفع متوسط العلو ، يركن بيت نيرودا الذي يقال

أنه من تصميمه ، بل أنه شارك أيضا في بنائه… عند أطراف منزل نيرودا يجثم

البحر الهادئ الذي وجدناه فعلا هادئا وديعًا وكأنه يشكو من مرارة  فقدان عاشق

وفي … لن يكون إلا نيرودا يسحرك المكان بجماله و بهائه … فيجتاحك السؤال

تلو السؤال ؛ من اختار من؟ هل اختار المكان نيرودا ليكون حضنا لتناسل أشعاره

التي انسابت على إيقاع سمفونية حياة المحيط الهادئ ، أم ، أن بابلو نيرودا

الذي أتحفت أشعاره الآذان و حركت الوجدان عبر العالم هو الذي اختار المكان

ليكون ملهما و ملاذا حيث امتزج دفء المكان و بهاؤه بجمالية شعره و روعته…

إن الشاعر و قصيده و مكان إقامته و سكناه فتنة و جمال و استثناء…

عند عتبة البيت ، قمت بتقديم التحية لروح نيرودا … السلام عليك منذ نظمت

الشعر نشيدا للوطن … السلام عليك حيا و ميتا ، الآن و غدا …أحسست و كأن

المنزل يحتضن دفء العالم … وكأن صاحبه قد خرج للتو لمطاردة قصيدة هاربة

متمنعة …

في البيت الكل مرتب بدقة و عناية فائقة … كل شيء يوحي بأن الحياة هنا ما

تزال تقيم … قصائد و ذكريات تتغنى بها الجدران … المكان مرتب كما كان

نيرودا يرتب أشعاره النابضة بالأمل و الحرية …

بفرح و فضول طفوليين، أتأمل أركان البيت فأزداد يقينا ان هذا البيت بتفاصيله و

مواصفاته الجغرافية و الثقافية لا يمكن ان يكون إلا لشاعر و لنيرودا بالذات .

. و ليس لأي شاعر آخر …

هندسة تحاكي في امتداداتها خريطة الوطن . . مساحته ليست بمربعة و ليست

بمستطيلة … ينتابك شعور و أنت تكتشف و تستطلع زوايا البيت أن مياه البحر

ستداهمك . . كل زاوية من زوايا البيت تستدرج البحر و تغريه بالإقامة فيه…

صالون الاستقبال يطل على البحر.. قاعة الأكل.. المكتب..غرفة النوم..

هكذا جعل نيرودا من البحر قبلة و أيقونة و بوصلة للإبحار في ديوان الكلمات

الجارحة و المكلومة من أجل قصيدة عاشقة..فرحة مفقودة ، و حرية مغتالة.. ينام

نيرودا على بحر.. و يستيقظ على بحر.. و تنساب أشعاره بحرا و بلاغة و إبداعا.

و أنت تتجول في البيت، الثحفة و المتحف تستوقفك أنواع قطع السفن .. و أجناس من

الفراشات قزحية الألوان .. و عديد من الكؤوس البلورية و المختلفة الأحجام .. و

أنا أتأمل هذه الكؤوس الملونة الموزعة بإخراج متقن فوق الطاولة . “نيرودا لم

يكن يحلو له الشراب إلا في الكؤوس الملونة” تهمس في أذني المرشدة السياحية.

في غرفة المكتب ، يوحي لك القلم الممدد بعناية فوق المكتب بأنه في انتظار

قصيدة أخيرة لم تكتب بعد.

في خزانة لملابسه ، أحدية ملمعة .. قبعات مختلفة الأشكال مصففة بعناية ..

خيزرانة موضوعة على الحائط …

البيت و أشياؤه في انتظار نيرودا الذي سيعود ولن يعود ، مات نيرودا مرات عديدة

من أجل قصيدة ، مات نيرودا و بقيت القصيدة.

خاص لصحيفة قريش – ملحق ثقافات وآداب – لندن

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    الاخبار العاجلة
    WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com