أحلام علي
سميرة رامي
*قاصة من المغرب*
عندما ولجت عالمًا مختلفا عن عالمي السابق عرفت أنّ أمورا كثيرة ستكون في
مساري، لكن الأحداث تسارعت مع الزمن، و أصبح لكل يوم حدث أو أكثر، و كانت
أغرب قصة هي قصة ذلك الولد الذي يحمل على كتفه بطريقة بسيطة، وعفوية، كيسًا من
المواد أراد بيعها في السوق الأسبوعي، يكون السوق بهذه المنطقة يوم الخميس، و
يعرف اليوم باستقطاب لكل القرى المجاورة لبيع ما لديهم من فلاحة بسيطة وأخذ ما
يلزمهم للوقت الذي يغيبون عنه عن الحاضرة ربَّما للخميس المقبل أو الذي يليه .
وجاء الولد ووضع أمتعته أرضا مع الذين يبيعون البيض والدجاج والنخالة، ومواد
أخرى، يسمونها بْيُو ولربَّما لا يعرفون من الاسم سوى ثمن ما لديهم من بضاعة
لقضاء حاجياتهم والعودة مساءً قبل حلول الظلام.
تطلعت في الولد.. وسألته هل تبيع البيض.
أجابني أنه يبيع موادا أخرى.
دفعني فضولي لأعرف ماذا يبيع فأخرج من ذلك الكرتون قربة ًبيضاء، وأخرى صفراء
كأنِّي أعرفُ هذه، تعجبت لأمره ،وأخبرني أنه لا يعرف ثمنها، فأخذ يسرد علي
حكايته التي رواها لكُلِّ من يعترض سبيله فبائعو البيض يعرفونه ويلومونه أنه
ترك عمله لينصت لشخص خاتر به حتى أن البعض يشير له بالأبله.
استرسل الولد يخبرني قصته، ويتذكر أن عليه العودة لحقله كان يعمل فلاحا بإحدى
القرى المجاورة للمدينة لا يعرف شيئا ،غير أنه يقوم الصبح ليرى ضيعته الصغيرة
ويأمل أن تكون ذات ثمار كثيرة آخر السنة يروي قصته لكل غريب يسأله ماذا يبيع
بداخل الكيس، ويخبره موادا لا يعرف عنها شيئا سوى أنه كان بالمدينة يوما لقضاء
بعض حاجيات أسرته وإذا به يسمع أحدا يشرح كيفية الاشتغال بشركة كبيرة و كبيرة
جدا، ولها أرباح كثيرة تقتسمها مع العاملين لديها ولا تبخل عليهم يصبحون
أثرياء في وقت وجيز، قد لا يتعدى الشهرين، وكان الولد في أمس الحاجة للمال فقد
كان على وشك ان يخطب فتاة جميلة من قريته و لا يملك مهرا ولا ثمن الخاتم.
تحمس أكثر وهو ينصت له كان يشرح ويؤكد أن أي شخص يمكنه العمل بهذه الشركة
الكبيرة و الكبيرة جدا، والتي تجعلك تربح وفي وقت وجيز مالا كثيرا، تساءل
الشاب البسيط كم من الوقت يلزمني فأجابه بين شهر أو شهرين على أكثر تقدير،
فتنحى جانبا ليدرس الأمر وأشار إليه عقله إن ثمار ضيعته يلزمها حتى بداية فصل
الصيف لكي تنضج ثم يقوم بجمعه و ترتيبه ثم ببيعها بالسوق الأسبوعي كل هذا
يتطلب وقتا طويلا ربما حتى نهاية السنة … وقال في نفسه .. إن فتاته ستنتظره
شهراً أو شهرين لكن شهورا عديدة ……كان الشخص واقفا يرمقه بين الفينة والاخرى
و يرمي له بكلمة أن الامر ناجح و ستحصل على المال و أن لا داعي لكثرة التفكير
ويقول له بأسلوبه البسيط: “إذا أعطاك العاطي لا تحرث لا تواطي” اطمأن علي،
وابتسم واندفع، سأسجل اسمي للعمل.
لم يكن يعرف شيئا سوى أنه فلاح يعرف بمجهوده في العمل بالقرية لتي يقطنها وأخذ
يفكر في المبلغ الذي طلبه منه ذلك الشخص، كان مبلغا كبيرا بالنسبة له فلم يكن
يملك سوى أجرة النقل الذي يقله لقريته وبعض الدراهم القليلة المتبقية في جيبه.
لم يجد بدا من اقتراض المبلغ من والديه اللذين كان يعتزمان تزويجه تلك السنة،
فقد كانت والدته تنتظر أحفادا لها قبل أن تدركها المنية .كان هذا حلمها فلم يكن
لها سوى علي ، فوعدهم ببيع البيض والدجاج كل أسبوع ليرد لهما المال لأنهم لم
يصدقوا أن عملا آخر غير فلاحته قد يدر عليه مالا كثيرا دون كلل.
وبالفعل قام حسن بإخباره أنه تم قبوله بالعمل بعد واسطته طبعا وأخبره أنه
سيرسل له بعض المواد يمكنه بيعها بمجرد تسلمه لها.
فرح علي أنه تم قبوله بالعمل وسيرسلون له المال على التوالي قد يفوق المبلغ
الذي اقترضه وهكذا يرجع المال لوالديه حتى يطمأنا أنه لم يضع سنوات ادخارهما
هذا ما قالته له أمه وهي تسلمه المبلغ و تحبس ألمها في نفسها، خوفا من ضياع
كلِّ شيء بالنسبة لها.
أخذ علي الصُّندوق ووضعه في كيس، وراح اليوم الموالي للمدينة يبحثُ على حسن،
لكنَّه لم يجده و أخبره بالهاتف أنّ عليه بيع ما لديه.
وأخذ يجوب أطراف المدينة
ويمضي ويحكي قصته ،حتى انهارت قواه من التعب طول اليوم وكان عليه العودة مساءً
لبيته.
أخذ يندب حظه، وتيقن أنه تم النصب عليه، مقابل أشياء لا تشترى، حتى أن حسن لم
يعد يجيبه و لم يجده بالمكان الذي عرفه.
وفي النقل أخذ يفكر أن المال كان
يمكنه أن يقدمه مهرًا لخديجة و يشتري به خاتمًا، ولوازم زواجه التي كانت تقتصر
في تنظيم عشاء لبعض أفراد قبيلته، كان الشيخ أهم هذه المجموعة ليبارك له في
زواجه من خديجة، وينتظرا ضيعته إلى أن تثمر لكنه صدق كلام حسن.. أيقظه صاحب
النقل ياعلي.. لقد وصلنا الضاوية.. يا ابني لا تثق بالغرباء عن بلدتك و عوضك
على الله يا علي…
لا تستغلوا البسطاء فإن لهم نوايا قد تجعلنا تعساء يوما ما.
حكاية خاصة لصحيفة قريش – ملحق ثقافات وآداب – لندن
عذراً التعليقات مغلقة