صلاح عبد الستار محمدالشهاوي*
كاتب من مصر
– لا جديد
ككل يوم وقبل أن يَسمح لذكرياته أن تنزف من جديد، تجنح الشمس للغروب، حزينةمتلفعة بوشاح
داكن من غيوم الشتاء، يواري قتامة بقايا حكايات حزينة تتكرر من حينلآخر بين حنايا
قريتنا النائمة في هدوء بين أحضان القمح الذي يتراقص طرباً معالنسمات الباردة في حقوله.
– الضمير
ليست كل الأمور على ما يرام فحين عاد بحقيبته منتفخة من أعمال مهمة أنجزهاتحمل رائحة
العفن، أخذه إلى الأرض الخلاء، حدثه حديث القلب للقلب، وعندما أحسبالانهزام أمامه دفنه
هناك وعاد وحيداً.
– نفاق
استيقظ الوحش الكبير بداخله، راوده حلم سبق أن عاشه، يعلم جيدا انه لا يصمدشيء أمام
المال، بدون مال لا كرامة ولا انفه، مزق جميع كتب الفلسفة والأخلاق، وأخذيراجع قصائد
المديح (النفاق) حتى حفظها عن ظهر قلب، ليظهر سؤال يلتصق بجدارالذاكرة، كيف للممدوح أن
تحفذه بضع كلمات من نفاق؟ حتى يبعثر ما جمع من قوت ودماءالمساكين لينشط الألسن التي إن
لم تمدح وتنافق هجت وتبذئت، أعاد الحلم مراودته،فانطلق يمدح كل آكلي أكباد الغلابة
ومصاصي دمائهم.
– وساطة
من المؤكد أني تغيرت، ومن الأكيد أنه تغير أيضاً، نسيته من طول الغياب،حمدت الله على كل
حال، وبشيء من ذاكرة صدئه توسمته، طرقت بابه بمفتاحي الصدئ، لميفتح، من المؤكد أن
ملامحي تغيرت، كما تغيرت ملامحه، استدعيت النجار الذي ما زاليسكن في نفس الشارع ليتوسط
لي بأدواته، حتى استطيع الدخول.
– شفاء
في طيرانها مرت فوق عشها القديم ولم تبالي، هي نفسها افتقدتها منذ أمدطويل، لماذا لم
تحط داخل رأسي كما كانت تفعل، أتراني شُفيت. لقد قال لي الطبيب ذاتمرة، يجب أن تتغير
وتترك هذه الأفكار أو دعها تتركك، ساعتها قلت له: لا يخلعالإنسان جلده إلاّ إذا ذهب
للمدبح. أاعاود أخذ العلاج ثانيه، لقد رأيتها اليوم تمرفوق رأسي ولم تحط، مؤكد شُفيت أو
أنها هي التي شفيت.
– سن كبير ..عقل صغير
يوماً ما طاردتها رصاصات الجارة المسنه، كلام أقلع جذرها من مكمنه، وفي ذاتاليوم تلقت
قذائف الصغار بتحريض منها. لم تحاول أن تلعب معها لعبة النفاق المغشوشفكلاهما يعرف
مكنون الآخر، صراع صامت لا يشي بما يدور في خلد كل منهما للآخر،ولأنها لا تعرف التورية
وتسمي الأشياء بمسمياتها، ما زالت تتوجع وتحاول أن تخلعذلك الثوب الكريه الذي ألبستها
رصاصات جاراتها، ولأنها دائما على يقين أن مثل هذهالملابس لا تبدل الناس ولا تغير في
الإحساس، آلمها كثيراً كون جارتها ذات السنالكبيرة تمتلك عقلاً صغيراً.
– السلام
ككل أربعاء وفور خروجه من عيادة الطبيب النفسي، وبناء على أوامر الطبيبيلقي السلام على
كل من يقابله بأدب مفتعل وبكلمات سريعة يصبها في أسماع الآخرين،اعتاد أصحاب المحال
ورواد المقاهي في الشارع الذي به عيادة الطبيب ذلك منه، وشيئاًفشيئاً ملوا ذلك منه
وأصبحوا لا يردون عليه سلامه، إلاَّ انه استمر بإلقاء سلامهبأدب مفتعل، وبأدب مفتعل
أيضاً يرده على نفسه متمثلاً قول القائل: هذه الأيام صارالرجل يسلم على نفسه وعلى نفسه
يرد السلام.
* ليال بلا جدران: رواية رائعة للصديق المبدع المغربي / حسن المدَدي
عذراً التعليقات مغلقة