قبر سماوي.. إلتماعة عنيدة تكسر غيوم نجمان ياسين الداكنة

8 أغسطس 2020
قبر سماوي.. إلتماعة عنيدة تكسر غيوم نجمان ياسين الداكنة

نجمان ياسين

العراق

قبر سماوي

للوهلة الأولى ،

أدركت أنّ هذا القبرَ السّماوي ،

يحكي أنَّ الولادة أول الموت ،

أنَّ الندى يذوي في قبضة الشمس ،

وأنَّ الجسدَ ثمرٌ يانعُ القطاف ،

وأنَّ الطائرَ يعود إلى البحر في آخر ِالمطاف …

ّأسلمَني هذا القبرُ السماوي ،

إلى أصوات تأتي من غابات ،

وبراكين ،

أشواك ،

وأسلاك ،

تدهم روحي ،

وتلقيني في قرارة الجُبِ ،

وفي قلب الحُب …

في هذا المدى ،

تأخذني الأصوات ،

إلى دهاليز مفعمة بالضوء ،

ويسلمني الرنين إلى حافة الردى ،

في هذا الأفق المشتعل بالبروق ،

تناغي جسدي الأصوات ،

ترقُ روحي مثل جناح غمامة ،

وتسلمني إلى الندى …

تابوت ،

أم قبر ينتسب إلى الرحيل ؟

هذا الفضاء الأرحب من قلب عاشقة ،

تابوت ،

أم نداء رحم الأم ؟ 

هذا كائن عجب ،

له الجسد قارة ،

والروح كشف ،

وله جسدي ثمر للتجلي ،

وابتكار الأسئلة …

بحرٌ هو الجسد ،

ومحيط هذا القبر السماوي ،

روحي نجمة ،

والقبر سماء …

توغل ، وتوغل ،

وتوغل ،

يا رنين المغناطيس ،

في خلايا هذا الجسد ،

المسكون بعذوبة الرؤيا ،

والدهشة ،

وصناعة الحلم …

ظلام يرميني في الأبيض ،

وعتمة تقودني إلى الأزرق ،

لهبٌ يسلمني إلى الحطب ،

وعاصفة تدهم دمي ،

وتمضي بي إلى أليّم،

إلى الأعماق ،

والغرق ،

يوحدني الرنين 

بالأنيـن ،

والأنيـن ،

بالحنين …

طفلك يا رب ،

في هذا التابوت المسحور ،

يمورُ بالنور والحبور ،

يملؤه الشجن ،

ويثقل قلبه ،

أسى المخاوف ،

في عينيه ، برق الهواجس ،

وفي دمه إبر الخوف ،

والأسلاك الصدئة …

وهن العظمُ ،

صار ريشاً في سماء الجسد الغيمة ،

تشابكت غابة الأعصاب ،

وافترقت ،

مرقت الخلايا ،

وانتثرت مثل نجوم مطفأة ،

في سماء الروح الغائمة …

لا مهرب لك يا عظامي ،

ولا سر لك ،

فالرنين يؤسرك ،

والأمواج تؤسرك ،

والحنين ،

وكل هذا الأنين ،

يسري صوبك …

تماسكي ،

وتمسكي بنور الله ،

يا عظامي الواهنة ، من جذر المياه جئتِ ،

وإلى جذر المياه تعودين ،

ومن حريق تأتين ،

وإلى حريق تمضين ،

من نور أقبلت ،

وإلى نور وجهت وجهك ،

وتركتِ للرنين كشف أسرارك …

إلهي ،

المغني الذي كوّنته ،

وجعلته يترنّم بالكلمة ،

والأغنيات ،

يرنو صوب عرشك المكين ،

روحه إسفنجة تمتص النور 

وتمرح في هذا الأخضر المنير

والأشراق …

وأنا في قبري السماوي ،

إمتدت يدُك يا إلهي ،

مسدت وجعي ،

ومحت خطايا زمن الحماقات ،

كانت قنديل قلبي ،

الناهض مثل غزال ،

إستلت أشواك القلق ،

وهمست في أذني :

ـ أخرج ياعبدي من هذا الحطام ،

إستفق من خدر اللحظة المؤقتة ،

واحترس من وسواس الروح ،

ومن ” سجن المؤمن ” ،

تسور بآياتي ،

ولتكن بعض نوري الوفير …

يـد تلمس قلبي ،

وتطرد طائر الرعب ،

يـد تثير صبواتي ،

وتسجر جمر الحب ،

تطلق شهوة دمي ،

الضاجة بنداء الغابة ،

تسري بي نحو الأعالي ،

وتوحدني بمطر السحائب الكريمة …

وأنا في جوف التابوت ،

جوف الحوت ،

جاءني الصوت ،

سكب عسل السكينة في مرارة دمي ،

غسل هذا الخافق بالضوء ،

وقال لي :

ـ إنهض ،

وانطلق ،

عُـد إلى الغابة الشائكة العمياء ،

ولتكن طائر الحب الذي لا يهدأ …

أ.د. نجمان ياسين ، استاذ التاريخ الإقتصاديوالإجتماعي في كلية الاَداب جامعة الموصل ورئيس أسبق للإتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق .

النص خاص بصحيفة قريش – ملحق ثقافات وآداب.-لندن

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    الاخبار العاجلة
    WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com