نجمان ياسين
العراق
قبر سماوي
للوهلة الأولى ،
أدركت أنّ هذا القبرَ السّماوي ،
يحكي أنَّ الولادة أول الموت ،
أنَّ الندى يذوي في قبضة الشمس ،
وأنَّ الجسدَ ثمرٌ يانعُ القطاف ،
وأنَّ الطائرَ يعود إلى البحر في آخر ِالمطاف …
ّأسلمَني هذا القبرُ السماوي ،
إلى أصوات تأتي من غابات ،
وبراكين ،
أشواك ،
وأسلاك ،
تدهم روحي ،
وتلقيني في قرارة الجُبِ ،
وفي قلب الحُب …
في هذا المدى ،
تأخذني الأصوات ،
إلى دهاليز مفعمة بالضوء ،
ويسلمني الرنين إلى حافة الردى ،
في هذا الأفق المشتعل بالبروق ،
تناغي جسدي الأصوات ،
ترقُ روحي مثل جناح غمامة ،
وتسلمني إلى الندى …
تابوت ،
أم قبر ينتسب إلى الرحيل ؟
هذا الفضاء الأرحب من قلب عاشقة ،
تابوت ،
أم نداء رحم الأم ؟
هذا كائن عجب ،
له الجسد قارة ،
والروح كشف ،
وله جسدي ثمر للتجلي ،
وابتكار الأسئلة …
بحرٌ هو الجسد ،
ومحيط هذا القبر السماوي ،
روحي نجمة ،
والقبر سماء …
توغل ، وتوغل ،
وتوغل ،
يا رنين المغناطيس ،
في خلايا هذا الجسد ،
المسكون بعذوبة الرؤيا ،
والدهشة ،
وصناعة الحلم …
ظلام يرميني في الأبيض ،
وعتمة تقودني إلى الأزرق ،
لهبٌ يسلمني إلى الحطب ،
وعاصفة تدهم دمي ،
وتمضي بي إلى أليّم،
إلى الأعماق ،
والغرق ،
يوحدني الرنين
بالأنيـن ،
والأنيـن ،
بالحنين …
طفلك يا رب ،
في هذا التابوت المسحور ،
يمورُ بالنور والحبور ،
يملؤه الشجن ،
ويثقل قلبه ،
أسى المخاوف ،
في عينيه ، برق الهواجس ،
وفي دمه إبر الخوف ،
والأسلاك الصدئة …
وهن العظمُ ،
صار ريشاً في سماء الجسد الغيمة ،
تشابكت غابة الأعصاب ،
وافترقت ،
مرقت الخلايا ،
وانتثرت مثل نجوم مطفأة ،
في سماء الروح الغائمة …
لا مهرب لك يا عظامي ،
ولا سر لك ،
فالرنين يؤسرك ،
والأمواج تؤسرك ،
والحنين ،
وكل هذا الأنين ،
يسري صوبك …
تماسكي ،
وتمسكي بنور الله ،
يا عظامي الواهنة ، من جذر المياه جئتِ ،
وإلى جذر المياه تعودين ،
ومن حريق تأتين ،
وإلى حريق تمضين ،
من نور أقبلت ،
وإلى نور وجهت وجهك ،
وتركتِ للرنين كشف أسرارك …
إلهي ،
المغني الذي كوّنته ،
وجعلته يترنّم بالكلمة ،
والأغنيات ،
يرنو صوب عرشك المكين ،
روحه إسفنجة تمتص النور
وتمرح في هذا الأخضر المنير
والأشراق …
وأنا في قبري السماوي ،
إمتدت يدُك يا إلهي ،
مسدت وجعي ،
ومحت خطايا زمن الحماقات ،
كانت قنديل قلبي ،
الناهض مثل غزال ،
إستلت أشواك القلق ،
وهمست في أذني :
ـ أخرج ياعبدي من هذا الحطام ،
إستفق من خدر اللحظة المؤقتة ،
واحترس من وسواس الروح ،
ومن ” سجن المؤمن ” ،
تسور بآياتي ،
ولتكن بعض نوري الوفير …
يـد تلمس قلبي ،
وتطرد طائر الرعب ،
يـد تثير صبواتي ،
وتسجر جمر الحب ،
تطلق شهوة دمي ،
الضاجة بنداء الغابة ،
تسري بي نحو الأعالي ،
وتوحدني بمطر السحائب الكريمة …
وأنا في جوف التابوت ،
جوف الحوت ،
جاءني الصوت ،
سكب عسل السكينة في مرارة دمي ،
غسل هذا الخافق بالضوء ،
وقال لي :
ـ إنهض ،
وانطلق ،
عُـد إلى الغابة الشائكة العمياء ،
ولتكن طائر الحب الذي لا يهدأ …
أ.د. نجمان ياسين ، استاذ التاريخ الإقتصاديوالإجتماعي في كلية الاَداب جامعة الموصل ورئيس أسبق للإتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق .
النص خاص بصحيفة قريش – ملحق ثقافات وآداب.-لندن
عذراً التعليقات مغلقة