رَنيني في طست الله
هدى حاجّي
شاعرة من تونس
في الصَّباح
أخرجُ من كوابيسي كأيّ بُرعم من غُبار طلع .
من النّافذة تنزلق نظرتي على السهول المطليّة بالضَّباب
تتلعثم يرقات الكلمات التي سبقتني للحقول .
تصفرّ في الأقحوانات الواقفة على الحافة. تحمرّ في خفري المتعثّر بخيالات الغابة.
تلك الأجنحة المرفرفة كشجيرة غار لم تكن طيورا مدارية و لا أوراق قيقب يَبَّسَها الخريف لكنّها نظرتي مازالت تضطرب في عينيك
آخر غصن يُرى بين الضفّة وسرب الإوز الذي يطفو على تجاعيد الماء هو أنا عندما مشّطت شعري بأصابعك
الكينا الواقفة بين إنعكاسها و رماح الشمس
مطعونة مثلي بالخيبات ، كأنّها أنا عندما مشيت إليك على جسر ممدود بين الأجراف المعترشة كأصابع لهيب
ذلك الغصن المكسور الذي يرمّم أوراقه بسبائك البريق
هو يدي الملفوفة بحبقك الصوفي.
و هي تغوص في مغاورك المضاءة بسراج الليل أفلتت يدك.
طيور الغاق التي تَشْرَبُ مناقيرها وتركس على أوراق اللّوتس في الأرخبيلات العائمة بالقِرمز الجذلان هي اشراقاتك المشفّرة لا تحتاج لغير الليل الأخرس يقرأ نجومها بعيني
انخطافها هو إرتجافي حين انحنيت في مرآة عينك
فرأيت قلبي بملايين الثقوب يسقط في قاع السماء
كما قُرص نحاس في طست الله
الرّنين أقرب للتضرّع والباب الموصد تجاويف من ضباب ،
نداءات شفّافة، صندل متأرّج بالتراتيل ، هتافات مكلومة ،
صراخ من بئر الليل السرمدي
لو كانت تلك الثقوب نايا
لعالجتهَا بنَحِيبِي
لو كانت جرحا لضمّدته بزهور الأوليفيرا
لكنّها أعشاش خطاطيفك التي أربيها بشقوق قلبي
أستعير تغريدها لحشرجات صوتي
فيصرخ صمتي في حنجرة الغابات :
أيتها الملائكة المشاغبة تعالي أُطْعِمُك فتاتَ قلبي.
تعالي أسقيك حليب عصافيري . فرغت للتوّ من اعتصار نجومي و القمر الذي يطفو على الكأس هو رغوتك التي فاضت حين فتحت لحزني شامبانيا الغيوم .
شيء ما في رياحك يناغي تنانين كهوفي
شيء ما في ظلمتك يؤاخي سباع أحراشي
يمزّق غيومي
يَرْبَدُّ
يزبد
يعصف
يبرق
شيء ما كالفجر
يحطّ على رئتيّ كرُّخ من شذا
يشبهك
كأنه الأبدية تعبر هشاشتها
على جناح فراشة.
قصيدة خاصة لصحيفة قريش -ملحق ثقافات وآداب – لندن
عذراً التعليقات مغلقة