د. فدوى أحماد
كاتبة من المغرب
التربية على الحقوق، أهداف وغايات..
تستقطب حقوق الإنسان اهتماما واسعا في كل المجتمعات ، وحقوق الإنسان متأصلة في المتن الإسلامي كتابا وسنة قبل أن تأصل في إعلانات ومواثق وعهود..ويرتكز مفهوم حقوق الإنسان على ثلاثة محاور أساسية:
● أولها المنتفع بالحقوق وهو الانسان الذي تتركز حقوقه في ثلاثة مناح هي: الكرامة والجسد والفكر.
● ثانيها نوعية الحقوق، ويقصد بها أنواع الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وغيرها من أجيال الحقوق اللاحقة..
● ثالثها حماية الحقوق؛ إذ تعتبر الحماية أساسا لجوهرها.. وبدهي أن هذه الحماية لا تتم إلا بالآليات القانونية.
لا أحد يجادل في كون حقوق الإنسان ترتبط بعلوم القانون والسياسة والفلسفة والدين والأخلاق وعلوم أخرى، ونظرا لأهمية حقوق الإنسان في تنمية المجتمعات ورعاية مواطنيها اتخذ تفعيلها شرطا ومقياسا لأنماط التعاون الدولي.. ولا سبيل إلى التخلي أو التحلل من منظومة الحقوق لكونها أساسا لبناء قيم التسامح والأمن ونبذ كافة أشكال التطرف والعنف..ومن هنا فإن التربية على القيم الحقوقية لازمة بالنسبة للمنتظمين في أسلاك التعليم، من أدناها إلى أعلاها، كما أن معرفتها والحرص على المطالبة بها وجعلها سلوكا مدنيا يوميا ضرورة من ضرورات التنشئة السوية..
من هذا المنطلق فإن التربية على الحقوق وقاية وحماية واستثمار مجتمعي، ولهذه الغاية أقامت الأمم المتحدة خطتها العالمية (1995/2004)، ونصت على ضرورة تظافر جهود الحكومات والمنظمات والمؤسسات التربوية في هذه الخطة..وعندما نقول المؤسسة التربوية فإن الأمر ينصرف إلى المدرسين والإداريين و المشرفين التربويين وأمهات وآباء التلاميذ..
التربية على الحقوق منهاج وتخطيط..
يتطلب منهاج التربية الحقوقية ضرورة الإحاطة بجانبين :
● أولهما فني يلامس بل يرتكز على:
1- التخطيط: بما يعنيه من تنظيم دقيق يأخذ بنظر الاعتبار ثالوث المتعلمين والمكونين والمنهاج في تفاعل وتكامل.
2- المنهاج: ومعناه منظومة شاملة لكل الأنشطة التربوية المراد إنجازها ..وهذا المنهاج يتضمن الغايات والمرامي فالأهداف العامة ثم الأهداف الخاصة مع تحديد للأساليب والطرائق تقويما ومتابعة.
3- البرنامج: والمراد به ما تم ضبطه وعرضه للفئات المستهدفة .
د- المخطط: وهو منطلق العمل الذي يرتبط بالشروط المحددة في المنهاج.
ه- المشروع: وهو ما يدخل حيز الواقع والتنفيذ.
● ثانيهما عملي/ إجرائي والمقصود به ما تم تحديده من طرف الخبراء .. فالخبراء أكثر إلماما بإعداد المنهاج نظرا لكفاءتهم ومستويات معارفهم، كما أن فئات المدرسين يتعين أن يكون لهم موقع من الإعراب في هذا المنهاج لكونهم ممارسين بشكل مباشر..والمنطق في هذه العملية قائم على التوازن والانسجام وليس على التفكك والتناقض.
إضاءة على الاجتهاد المغربي الحقوقي..
نكتفي في هذا المفصل بالإشارة إلى بعض التوجيهات الدالة على وجود إرادة ملكية عليا في مجال التربية على المواطنة والربط المنطقي بين الحق والواجب.
أولا: في رسالة ملكية سامية تلاها المستشار عبد اللطيف المنوني بتاريخ 20 دجنبر 2018 بالرباط مؤشرات دالة على مسير اجتهاد في التربية على الحقوق منها:
● “الإعلان العالمي لحقوق الإنسان علامة بارزة في تاريخ البشرية..”
● “هذه الوثيقة ميثاق تأسيسي وثمرة فكر متشبع بالمثل الإنسانية،ومرجع عالمي ونبراس مضيئ تهتدي به الشعوب في تطلعها إلى المزيد من الحرية والكرامة والتضامن، في إطار دولة الحق والقانون..”
● “نرحب بالاحتفال المنظم تخليداً لهذه الذكرى الحافلة بالدلالات والمعاني العميقة..”
● “هو احتفاء يأتي بعد أيام قليلة على تعييننا لرئيس جديد للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، ومندوب وزاري جديد مكلف بحقوق الإنسان، مدشنين بذلك مرحلة جديدة في مسار تجديد هاتين المؤسستين، وتكييفهما، وتعزيز مكتسباتهما، وتقوية وسائل عملهما..”
● ” أدعو جميع المؤسسات والهيآت المعنية لمواصلة الجهود من أجل القيام بدورها في الدفاع عن حقوق الإنسان في كل أبعادها، وزيادة إشعاعها، ثقافة وممارسة، وذلك في نطاق الالتزام بروح المسؤولية والمواطنة، التي تتلازم فيها ممارسة الحقوق والحريات، بأداء الواجبات..”
ثانيا: في خطاب ملكي سام بمناسبة الذكرى 38 للمسيرة الخضراء المظفرة، أكد جلالته على ضرورة ترسيخ الحقوق المدنية والسياسية، والمضي قدما في النهوض بالجيل الجديد من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية تكريما للمواطن المغربي وتمكينا له من حيازة مواطنة كاملة.
ثالثا: في نونبر/ تشرين الثاني 2019 صدر الميثاق الوطني لفائدة الطفولة المنبثق عن أشغال الدورة السادسة عشرة للمؤتمر الوطني لحقوق الطفل للمرصد الوطني لحقوق الطفل برعاية ملكية، ورئاسة للأميرة للا مريم، و تم الإعلان عن إطلاق أجهزة ترابية مندمجة لحماية الطفولة بثمانية أقاليم وعمالات نموذجية (طنجة، الرباط، سلا، مكناس، الدار البيضاء، أكادير، مراكش والعيون)،كما تم إطلاق الجهاز الترابي المندمج لحماية الطفولة بالرباط..وأعلن المرصد الوطني لحقوق الطفل أنه وضع رهن إشارة المواطنين منصة رقمية للتبليغ عن حالات العنف والاستغلال والإهمال ضد الأطفال.
رابعا: تم التوقيع على اتفاقية شراكة/ إطار خاصة بمشروع “تنمية مدرسة حقوق الإنسان 2019-2021″ بين وزارة الدولة المكلفة بحقوق الإنسان ووزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي ومنتدى المواطنة، وهي اتفاقية هادفة إلى ترسيخ ثقافة حقوق الإنسان في البرامج والمشاريع التربوية للمؤسسات التعليمية وإلى تقوية قدرات وأدوار المدرسة المغربية للنهوض بثقافة حقوق الإنسان في الحياة المدرسية ومحيطها، في إطار إعمال مضامين خطة العمل الوطنية في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان 2018-2021 خاصة التدابير الواردة في المحور الفرعي الأول” جودة المنظومة الوطنية للتربية والتكوين والبحث العلمي” من المحور الثاني المتعلق ب “الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية”، والتدابير الواردة في المحور الفرعي الثاني” حقوق الطفل “من المحور الثالث المتعلق ب “حماية الحقوق الفئوية والنهوض بها “. كما تأتي تفعيلا للرؤية الاستراتيجية للإصلاح 2015-2030، خاصة الرافعة الثامنة عشر المتعلقة بترسيخ مجتمع المواطنة والديمقراطية والسلوك المدني.
على سبيل ختم..
إذا كانت المؤسسة التربوية والتعليمية في مختلف مراتبها أداة أساسية لتنوير العقول وبناء الشخصيات وتهذيب السلوكات، فإن التربية على حقوق الإنسان نظام وظيفي تربوي ناجع لجعل ثقافة الحقوق والواجبات ثقافة مجتمعية واسعة تضمن النماء والحماية والتحصن والتمنيع ضد كافة أشكال العنف والتطرف والسلوك الخطر، وهذا يتطلب بناء مناهج تعليمية واختبار المناسب من المخططات وتيسيرها. وهذا يقتضي عمليا:
أولا: إقرار مادة حقوق الانسان في المنهاج الدراسي مادة إجبارية في كافة أسلاك التعليم.
ثانيا: تعزيز تدريس ثقافة الحقوق والواجبات في التعليم العالي.
ثالثا: تعميم تدريس ثقافة الحقوق والواجبات في كل المعاهد العليا والكليات.
رابعا: وضع دلائل تفسر وتشرح مصطلحات ثقافة الحقوق والواجبات بما يناسب كل مرحلة تربوية وتعليمية.
خامسا: استحداث هيئة تربوية تعنى بتقويم تدريس ثقافة الحقوق والواجبات في مختلف أسلاك التعليم.
سادسا: تنظيم ندوات وملتقيات وتداريب دورية تعنى بثقافة الحقوق في المدرسة المغربية.
عذراً التعليقات مغلقة