الجنة الأرضية وآفاق العالم فى ” متاهة اللذة “

29 أكتوبر 2020
الجنة الأرضية وآفاق العالم فى ” متاهة اللذة “

ستار موزان

” – لاأرى شيئاً ياشيخنا سوى البدر الذى يجنح للغروب. “

” وضع يده على كتفه وجعله يدنو أكثر ثم قال : إنه وقبل أن يجنح للمغيب , نفذ منه كائن على هيئة امرأة مسدلة الشعر بإحدى يديها مشط وبالأخرى تفاحة , داخل التفاحة مكتوب إنك ستظفر بالذى تبحث عنه , شرط أن تكتم الهوى وتطلب ولا تضجر من الطلب ” ص19 البداية كانت هكذا , أحد الضباط بجهاز حساس سئم ومل من عمله وحياته وبدأ يفكر فى تغيير حياته وعمله وحتى المكان الذى فيه ” يتوق للسفر لمكان ناء وفيه بذات الوقت الأشياء التى يحبها : الطعام اللذيذ , الشراب الممزوج بصحبة طيبة , الانفراد بالنفس والمشى لساعات وتأمل مفردات الطبيعة والاستمتاع بنعم الله التى لاتحصى . ” ص8 وقد أتت الفرصة بالفعل كى يفعل ذلك ويختبر قدرته على التغيير , يقول إدوارد سعيد فى دراسته : العالم والنص والناقد  نقلاَ عن أورباخ :إن مصدراً عظيماً من مصادر الفضيلة بالذهن المتمرس هو أن يتعلم بادى ذى بدء , ورويداً رويداَ , تبديل موقفه من الأشياء المنظورة , والعابرة كى يتمكن لاحقاً من أن يخلفها كلها وراءه … إن صاحب النفس الوديعة يركز حبه على بقعة واحدة من العالم , فى حين أن الإنسان القوى يوسع حبه كى يشمل الأمكنة كافة . هكذا هى شخصية الضابط مجهول الاسم فى قصة ” تقاعد ” وهكذا أيضاً شخصيات مجموعة ” متاهة اللذة ” للكاتب المصرى أحمد الشريف والتى صدرت منذ أسابيع عن خطوط وظلال للنشر والتوزيع , عمان , الأردن . شخصيات تسعى خلف غايات وأحلام لم تتحقق أو فى طريقها للتحقق , قصة ( تقاعد) , أو غاية تحققت ويبحث البطل أو الشخصية المروى عنها , طريقة لتثبيت الهدف والحفاظ عليه , قصة ( فندق اللذة ) أو البحث عن لحن ضائع ومفقود كما فى قصة ( ذلك اللحن ) , ” تركوه ونزلوا , ليبقى مع أفكاره وأحلامه , وذلك اللحن العصى الذى راح يتشكل مرة , على هيئة امرأة فيها كل الصفات التى يحبها , ومرة ثانية كهيئة طفل يعدو ويضحك , وثالثة كشمس تشرق وأحلام تتحقق . لكن لماذا لايستطيع أن يقبض عليه ويحوزه ؛ ليعرف طريقه وتنتهى حيرته , كما تنتهى موجة بحر هائج على شاطىء منبسط ؟ ” ص78 لاينتهى البحث أو الحيرة رغم أن الشخصيات فى الكتاب تسعى خلف أهدافها وأحلامها بكل قوة وحب بل وينتقلون من مكان لمكان ومن مدينة لمدينة ومن بلد لبلد من أجل ذلك : القاهرة , لندن , بروكسيل , امستردام , الدار البيضاء , تطوان , مراكش الخ وهناك أيضاً شخصيات لاتسعى خلف غايات بعيدة بل هى مكتفيه بالعيش بسلام وتألف مع المكان والناس , مثل الشخصيات الصوفية بنسيج القصص , هذه الشخصيات الصوفيه بكل ما تحمله إرث دينى ولغوى ومعرفى أضفت لمسه ناعمه رهيفة على أجواء القصص وعلى لغة السرد كذلك . ليست فقط الشخصيات الصوفية داخل القصص بل شخصيات أخرى , نساء ورجال معاً , لعل تلك الشخصية بقصة ( سرة امرأة 2 ) تظهر هذا الملمح , ” ضمن ما حكته عنه , أنه يعيش حياة مرحة , خالية من الهموم , مملوءة باللهو والضحكات .عرفت منها أيضاً أن جيران الرجل ومعارفه يتحدثون دوماً عن كرمه ولطفه وبراعته فى الحديث وأنه ينفق أمواله بسخاء على الطعام الشهى , والكساء الجميل , والنساء الحسان , ولايعارض أن يعيش معه فى بيته من يرغب فى ذلك ” ص104, رغم اختلاف أهداف وغايات وأحلام الشخصيات , ورغم تعدد الأماكن , لكن هناك حالة من الانسجام والجو النفسى والملامح المشتركة فى القصص , هذا الملمح دفع البعض أن يتعامل مع ( متاهة اللذة ) كرواية . لكن الكتاب ليس رواية بالرغم من وحدة المكان والأجواء , لأن وحدة الأجواء هذه نتيجة الأسلوب الشعرى بحركته , بموسيقاه وبلغته الطازجة وبوحدة النصوص العضوية , المتناسقة والتى تضرب بجذورها , عميقاً , فى خبرة الكاتب وحياته الشخصية . ضمن خصائص أو أحد السمات المهمة فى هذه المجموعة , رغبة الشخصيات وتوقها لاقتناص لحظات السعادة

واللذة و وهناك من هم سعداء بما عندهم أو حصلوا عليه ولو لفترة مؤقته : الطبيعة والنهر والماء والأشجار سعادة ( تقاعد ) الطعام الشهى والشراب والصحة الطيبة سعادة (ذلك اللحن ) , لذة الحب والعلاقة الجسدية مع المرأة سعادة ( فندق اللذة ) الخ مفردات وأشياء كثيرة يجد فيها الأشخاص لذتهم وسعادتهم , بما فى ذلك البعد الروحى المعرفى , خاصة عند الشخصيات الصوفية والتى تحتاج إلى قراءة أخرى , لذا سأختم قراءتى لهذه المجموعة بالشعر , الشعر حاضر بنسيج المجموعة وأيضاً كى أذكر نفسى والآخرين أن الشعر حاضر رغم طغيان السرد والنثر , وأخيراً وليس اخراً أن هذا الشعر للشاعر ألبخاذى غيتادى ألاميا يعبرعن جيشان مشاعر وتوق لقدوم الربيع والسعادة وهى سمات فى ( متاهة اللذة ) :                                       

 .. مرة فى الفجر

فى صفاء رنين النواقيس

فى الربيع , بالطبع ,

هبطتْ إلى الحقول

كما نور الشمس

خيول سريعة

اهتزت تحت سنابكها الأرض

هكذا يعبر المغنى دروب القرية مترنماً

بأغنيته الرائعة .

يوقظ بها الهمم فى البيوت والحقول

انخطفت الخيول كالطيور

عدتْ فى السهول

والناس يفكرون :

” الخيول تسرع نحو السعادة . أنها هناك هناك

https://scontent.fosl3-1.fna.fbcdn.net/v/t1.15752-0/p280x280/120779953_256480125659140_2280302497493263062_n.png?_nc_cat=108&_nc_sid=ae9488&_nc_ohc=qf-FCFe1P0AAX9p5UFd&_nc_ht=scontent.fosl3-1.fna&oh=7c419980511c37ee5e970691a74ad3d7&oe=5FA208EBhttps://scontent.fosl3-2.fna.fbcdn.net/v/t1.15752-0/p280x280/37351534_2001363786562752_247918590500536320_n.png?_nc_cat=103&_nc_sid=ae9488&_nc_ohc=hGRlGfg_O1EAX9ElcBJ&_nc_ht=scontent.fosl3-2.fna&oh=925192bf5726e7c7a17c1e3069f5a5f4&oe=5FA02245احمد الشريف

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    الاخبار العاجلة
    WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com