ربيع الحافظ
أدناه مجموعة أسئلة طرحتها قناة تلفزيونية أمريكية على شريحة عشوائية من مواطنين أمريكيين.
س: من كسب حرب فيتنام؟ ج: أمريكا
س: من هو فيديل كاسترو؟ ج: مطرب.
س: أذكر دولة يبدأ اسمها بحرف U، ج: Utah (يوتا هي ولاية أمريكية)
س: أذكر دولة في محور الشر؟ ج1) ألمانيا، ج2) كاليفورنيا، ج3) نيويورك، ج4) القدس، ج5) فلوريدا
س: ما هي عملة بريطانيا؟ ج1) العملة الأمريكية، ج2) عملة الملكة أليزابيث
س: ما هي ديانة البوذيين؟ ج: الإسلام
س: ما هي ديانة إسرائيل؟ ج1) الديانة الإسرائيلية، ج2) إسلام، ج3) كاثوليك
س: كم ضلع في المثلث؟ ج: 5
س: ما هي الدولة التي ينبغي أن نغزوها في حربنا على الإرهاب؟ ج1) إيطاليا، ج2) كوبا، ج3) روسيا، ج4) الصين، ج5) الهند، ج6) البرازيل، ج7) إندونسيا، ج8) كندا، ج9) سريلانكا، ج10) فرنسا لأن بيننا وبينها خلاف
س: حدد موقع إيران على خريطة العالم: المشارك يضع اصبعه على أستراليا
س: كم حرباً عالمية خاض العالم؟ ج) ثلاثة
س: بماذا تشتهر مدينتنا هيروشيما؟ ج) مصارعة السومو
س: أين كان جدار برلين؟ ج) في إسرائيل
س: أجب بصح أو خطأ: كوفي عنان هو أسم لمشروب. ج) صح؛ (التباس مع coffee قهوة)
س: ماذا تعني كلمة mosque(مسجد): ج) حشرة (إلتباس مع كلمة mosquito وتعني بعوضة).
س: كم ضلع في المثلث؟ ج1) أربعة، ج2) لا أضلاع له، ج3) واحد.
س: كم كِلْية في جسم الإنسان؟ ج) واحدة.
س: كم برج إيفيل يوجد في باريس؟ ج) عشرة على وجه التقريب.
س: من هي القاعدة؟ ج1) جماعة انتحارية في إسرائيل تصنع قنابل رئيسها ياسر عرفات. ج2) القاعدة جناح في الحركة الماسونية.
القدرات العقلية لأصحاب هذه الإجابات لا تختلف عن باقي شعوب الأرض، لكن ما يختلف هو طريقة النشأة الاجتماعية فعندما يربي أب ولده في عزلة عن الحي ومجتمع المدينة فإن الولد ينشأ مختل الشخصية ساذجاً في الحكم على الأشياء فقير المعرفة بمحيطه عديم الاكتراث بأحوال من حوله ويقسى عوده وهو على هذه الشاكلة.
السذاجة تلازم الطفل مراحل نموه وعلى أساسها يشق مسار حياته: إذا اشترى غُبن، وإذا باع بُخس، وإذا حُدث صدّق، وحين يريد بناء أسرة فإنه يختار شريكة حياة تشابه في التكوين الاجتماعي وحين تنجب الأسرة يترعرع النشء في كنف السذاجة ثم ينحدر من الأسرة الساذجة عشيرة يعرفها المجتمع بالسذاجة، وفي بعض البلدان مدن كاملة تتميز بخصائص كالسذاجة أو الكرم أو البخل مردّها إلى الجد الأعلى للعشيرة.
من يزر أمريكا بضعة أيام يشعر أنه خرج من العالم، كل شيء محلي: الصحف، المذياع، التلفاز، مقاسات الألبسة، أحاديث الناس الذين يجهلون كل ما هو غير أمريكي ولا يكترثون بمعرفته، المكان يبدو (للزائر) رقعة تعيش عليها كتلة بشرية يوفر لها الطعام والشراب والدواء والحراسة فتأكل وتشرب وتصاب بالبدانة وتعمل وتنتفخ جيوبها بالمال، يحيط بالأرض سور (إعلامي) شاهق عديم النفاذية، الذين في الداخل لا يشاهدون ما يجري في الخارج، وعند رأس كل عام يأتي جابي الضرائب ويدخل المكان ويدنو من الناس برفق وتمتد يده إلى جيوبهم المنتفخة ويأخذ بإفراغها في إناء حتى إذا ما فرغت انصرف وعاد في العالم القادم.
هذا المشهد بمراحله اسمه “الحلم الأمريكي” American dreamأو “الحياة على الطريقة الأمريكية”American way of life وهي نمط العلاقة بين مؤسسة الحكم في امريكا والكتلة البشرية التي تعيش على أرضها.
الكاتب والكوميدي الأمريكي جورج كارلن خاطب الأمريكان بالقول: “أمريكا ليس فيها حكام وإنما فيها مالكون وهم قلة قليلة تمتلك المال وتتحكم بكل شيء وتصنع القرارات المهمة. السياسيون يقولون لكم: إن لديكم حرية الاختيار، والحقيقة هي أنكم لا خيار لديكم، ما لديكم هو أناس يملكونكم ويملكون الأراضي المهمة، ويسيطرون على الشركات الكبرى، وقد اشتروا الكونغرس ومجلس الشيوخ والبلديات، ووضعوا القضاة في جيوبهم، وملكوا جميع شركات الإعلام الكبيرة، وهم يتحكمون بذلك بكل الأخبار والمعلومات التي تصل إليكم، وينفقون مليارات الدولارات على “اللوبيات” للحصول على ما يريدون، ونحن نعرف ماذا يريدون: إنهم يريدون المزيد لأنفسهم والقليل لغيرهم. أما الذي لا يريدونه فهو: مواطنون متعلمون، مطلعون، قادرون على النقد، لأن ذلك ضد مصالحهم ولا يعينهم على تحقيق أهدافهم، ما يريده هؤلاء هو: عاملون، طائعون، يمتلكون الحد الأدنى من الذكاء الذي يكفي لتشغيل الماكنة وتنظيم الحسابات”… “المشكلة هي لا يبدو أن أحداً متنبها أو مكترثاً بهذه المشكلة وهذا هو بالضبط ما يعوّل عليه مالكو أمريكا، بعبارة أخرى: مجتمع أمريكي جاهل في اختياره، فهؤلاء يعرفون الحقيقة التي اسمها الحلم الأمريكي والذي تقتضي أن تكون نائماً لكي تصدقه”. انتهى.
يقطن أمريكا زهاء 310 مليون نسمة أكثر من نصفهم وصلوا إليها بعد الحرب العالمية الثانية أي بعد حقبة التكوين الآيديولوجي ولا تربطهم بالمهاجرين الأصليين والآباء المؤسسين أي آصرة وإليهم يعزى أكبر اقتصاد في العالم وهم ترس في ماكنة كبيرة يحملون أعباء أقلية مالكة تجبي ضرائب ناتج قومي قوامه 13 ترليون دولار (مجموع الاقتصاد العالمي 60 ترليون دولار) وتتصرف بها بما يعود عليها بالربح الفاحش وبما يعود عليهم بالخوف والدماء.
حين تريد الكتلة البشرية اختيار زعيمها فإنها تستبعد من خياراتها كل فكرة حرمتها منها نشأتها الاجتماعية وانعزاليتها وتأنس بمن هو على شاكلتها فيستمر المنحنى الاجتماعي بالنزول حتى يصبح درك المجتمع هو الحلبة التي تدور عليها عملية انتخاب الزعيم وينبثق عنها زعيم يعكس الوجه الاجتماعي الحقيقي لها. أمريكا هي أكبر تجمع للعقول في العالم لكن طريقهم إلى المؤسسة السياسية مغقلة لأن المفكر يحتاج إلى يقظة من يخاطب والشخصية الأمريكية في حلم دائم وما يقوله المفكرون لا يستذوقه الساذجون.
على رأس كل أربعة أعوام يعود المالكون إلى الكتلة البشرية لجباية الأصوات يحدثونهم بما يشاؤون فيصدقون ويخوفونهم من خصوم وهميين فيخافون. وصفت مجلة تايم الأمريكية الانتخابات الأمريكية بأنها: الحدث الذي يطغى فيه المظهر على الجوهر وتزدهر فيه حملة من خوت رسالته وقويت جاذبيته. مقارنة بسيطة بين شخصيات الرؤساء الأمريكان منذ التأسيس تؤكد مقولة المجلة وتظهر التراجع الثقافي والاجتماعي رؤساء اليوم ورؤساء الأمس الذين كان بينهم منظرين وعلماء وأدباء.
إلى هذا الحد والشأن شأن أمريكي محلي، المشكلة تبدأ حينما يصبح الزعيم الذي ينتخبه السذج هو زعيم العالم. هذه الكتلة البشرية أصبحت عبءاً مزدوجاً: عبء على أمم الأرض التي تتأثر بسياسات مالكيها وعبء على نفسها حينما يصيبها حنق العالم ثم تتساءل: ما السبب؟ مشكلة الشخصية الأمريكية أنها بلا إرشيف كالحاسوب الذي ليس فيه قرص صلب لحفظ المعلومات فيفقد حال إغلاق الجهاز واختفاء المعلومات على الشاشة لذا فهي في طفولة مزمنة ومالكو أمريكا قادرون على تسويق إليها ما يريدون فيحددون بأصواتها مصير العالم.
#ربيع_الحافظ
عذراً التعليقات مغلقة