عبد النور مزين روائي مغربي.. في طريق العودة من برشلونة وبمحاذاة نهر القُبل

28 نوفمبر 2020
عبد النور مزين روائي مغربي.. في طريق العودة من برشلونة وبمحاذاة نهر القُبل

*نَهرُ القُبَل *

مقطع من رواية تصدر قريبا

*عبد النور مزين*

عبدالنور مزين

*طبيب وروائي من المغرب*

المسافة من طوري بارو إلى ساحة بوابة الحرية على مشارف الرامبلاس ليست بعيدة،

خاصة في المساء، حيث يكون طريق العودة من برشلونة أكثر ازدحامًا عكس الذَّهاب

إليها. نصف ساعة بسرعة التجوال كافية للوصول سواء عبر الطريق الساحلي سانت

أدريا دي بيسوس بمحاذاة نهر القبل (نهر بيسوس)، أو الطريق الداخلي عبر سانت

أندرو دي بالومار مرورا بصاغرادا فاميليا.  كانت كل مرة يسألها فيها كابو عن

أي المسارين تريد أن يسلكا، تجيبه بتلك القبلة المشبعة بالكثير من الشبق

والغنج. فكان يفهم طبعا انها تحب دومًا طريق نهر القبل. هكذا تخليا تقريبا عن

طريق دي بالومار.

على باب الفيلا الصغيرة على مرتفعات طوري بارو قبلته وهو يتأهب للمغادرة. ضحكا

معا وأشرقت عيناها بذلك البهاء، فقال كابو:

–         طبعا طريق القبل.

عبر الحديقة الصغيرة وغادر نحو سيارة السيطادين[1] <#_ftn1> المركونة خارج

البوابة. ظلَّت مويا تراقبه حتى خرج ثم دخلت وأغلقت الباب.

طول الطريق إلى لا كابا أونيفيرسال ظل يردد في دواخله تلك الأسئلة التي ظلت

تؤرقه منذ أن قبل بذلك الموعد مع بابلو غيريرو دياث. كيف لتلك الحياة الشخصية

التي حافظت عليها خارج تلك الغابة العنكبوتية أن تصبح في رمشة عين على مرمى

نقرة زر واحدة من هذا العالم اللعين؟  هكذا قرر أن يترك جانبا حياة الجنجاوية،

التي تلقفت صراخه الأول وأبوه على غياب، وحياته الشخصية التي لا دخل لهذا

العالم اللعين فيها، بالرغم من أن مجانين الصحافة، وصحافة التحقيقات بالخصوص،

لا يختلفون عن الباباراتزي في شيء. يدخلون في دمك ويبدؤون بالبث المباشر

لكرياتك الحمراء والبيضاء ولِلُزوق صفائحك عند كل جرح من جراحك المتعاقبة.

كل شيء سيهون إذا ما علمت كيف وصلت تلك الورقة، التي دسستها ذلك اليوم البعيد

في ذلك المكان السري المشتهى، إلى جيب بابلو غيريرو دياث. هكذا فكر وهو يعبر

بوابة فضاءات لا كابا أونيفيرسال. بمجرد أن دخل كان خوصي قد لاحظ قدومه فأسرح

الخطى ليستقبله ويقوده كما ألح عليه بابلو إلى الركن المعزول والهادئ نوعا ما

بعيدا عن الصخب الذي يسود لا كابا مع بدايات حفلات المساء.

التحق كابو بالركن حيث كان يجلس بابلو مع رجل آخر، بلباس مشرقي وهو يستأذن

بالانصراف. ودعه بابلو قبل أن يقدمه إليه.

–         نبقى على تواصل سينيور نواف، تشاو[2] <#_ftn2>.

هكذا قال بابلو. كان نواف الحمدوله قد ابتعد قليلا حين رد، دون أن ينظر إلى

الخلف:

–          تشاو.

كان بابلو يفسح المجال لكابو ويدعوه للجلوس معتذرا عن الانصراف المستعجل لنواف

وعدم التمكن من التعرف عليه. الخيفي غراندي[3] <#_ftn3>.  قال في شبه مزاح

محاولا التخفيف والترحيب به في نفس الآن.

برنامج تلك الليلة في لا كابا أونيفيرسال كان مخصصا لفرقة إثيوبية من تغراي

تابعة لمجمع تغراي الثقافي، في برشلونة، ترعاه مؤسسة الحمدوله العالمية

للتراث. بدت  له لا كابا، وهو يشق طريقه خلف خوصي مزدحمة بالكثير من

الإثيوبيين والأريتيريين والصوماليين . ألوان كثيرة موزعة على الأزياء

والرايات والملصقات. لم يلق بالا لكل ذاك الخليط إلا عندما غادر الشيخ نواف

وبدأ بربط تواجده بتلك اللافتات التي تحمل شعار مؤسسة الحمدوله العالمية التي

ترعى تلك الفرقة. كان باله أكثر تشويشا من أن يركز في هذا المزيج الافريقي

المشرقي غير المتجانس، وهو المشغول أساسا بتلك الورقة التي طرزها بتلك الكلمات

النيلية ذلك اليوم وهو في الدور العلوي لمسرح ثيرفانطيس بإيدونيا على مرمى نفس

من شفتي مويا وهو يدسها بين نهديها. هكذا تراءت له من جديد تلك اللحظات. كيف

وصلت بين يديه إذن. هكذا تساءل وهو يجلس قبالة بابلو على نفس الكرسي الذي كان

يجلس عليه الشيخ نواف. انتشر الموسوس في كل ركن من المطعم، يتعمدون إظهار

الأسلحة شبه الاوتوماتيكية التي يحملونها كما لو كانوا في وضعيات المهمات

القتالية الميدانية. يجوبون الفضاءات وعيونهم تراقب كل حركة. لم تكن الموسيقى

قد بدأت بعد.

بابلو لم يكن يبدو منشغلا بكل ذلك. كان يجلس وأمامه بلوك نوت أسود صقيل متوسط

الحجم، مشدود بشريط مطاطي دقيق أزرق، فتحة على صفحة مشار إليها بخيط تشوير

بحمرة الدردرين، بمجرد أن اعتدل كابو في جلسته.

كان بابلو قد قام خلال اليومين السابقين بمسح شامل لمحتوى الأنترنيت حول

الموضوعين. ضحك، في نفسه ومن نفسه، وهو يحول حياة وتواجد مويا وكابو في هذه

الكينونة، إلى مجرد موضوعين لإرضاء غرور مديره إنزو مانديث بييا وإشباع، ولو

بشكل غير واع، نرجسية ما داخل شخصيته التي طالما تهامس بها الزملاء ووضعها هو

على حساب الضريبة الجانبية لأي نجاح.  موضوعين منفصلين ولو أنه لا انفصال

حقيقي بينهما. إنه يعيش تفسيره الشخصي لتأثير الفراشة. هكذا فكر بابلو، وهو

يحاول مد جسور ما من خياله وتحليله وتخميناته كي يضيء دروبا في تلك المتاهة

التي ألقى به إنزو فيها وأقفل الباب منتظرا (قرارها وأمعاءها الدقيقة). لذلك

لم يقم بتخطيط مسبق لكيفية إجراء ذلك اللقاء، أو اللقاءات إن أمكنه ذلك، بل

ترك الأمور للتلقائية واتباع أسلوب أثر الفراشة ذاته. وحدها نقطة الانطلاقة

كانت محددة ولا مجال للقفز عليها.  صورة مويا وتلك الحروف النيلية. وعدت من

ظلمة إلى وهج. كلمات قليلة وانتقال شديد الدراماتيكية من الظلمة إلى الوهج.

 أخرج بابلو صورة مويا ونصف الورقة المطوية من بين أوراق البلوك نوت ووضعهما

فوق الطاولة أمامهما. كان لا بد أن يبدأ من نقطة ما هناك.

أخذهما كابو على الفور وجعل يتفحصهما في صمت قبل أن يسأله:

–         الألبوم.. أما تزال معك نسخة من الألبوم؟

–         طبعا.

رد بابلو وجعل يفتش في حقيبة اللاب طوب فوق الكرسي إلى جانبه. أخرج نسختين من

الألبوم مد له أحدهما وهو يقول:

–         وأنا خارج لا كابا أونيفيرسال، وجدت نسخة من ألبومها في بلانيطا

موسيكا[4] <#_ftn4> فاقتنيت لك نسخة.

الألوان تجعلها فاتنة لدرجة لا تصدق هكذا فكر وهو يتفحص فستانها القصير

وأنوثتها المتفجرة. لكن الصورة بالأبيض والأسود تضيف لها عمقا ناتجا عن تلك

الغلالة من الحيرة أو الحزن التي لا تكاد ترى، تابع في ذهنه كأنه نسي بابلو

الجالس قبالته على انتظار. لم تقتلعه من سروحه إلا رنتين خفيفتين من هاتفه، لا

تكادان تسمعان. رسالة نصية. أخرج الهاتف من جيب معطفه الداخلي. تيامو مييامور

[5] <#_ftn5>.

 خفق قلبه بنبض سريع حتى التفت حواليه يفتش عنها بالجوار. أكانت محض مصادفة أن

تصل تلك الرسالة من مويا وهو يحدق في شفتيها وصدرها بذلك الشبق وهو يحس بذلك

الاشتياق إليها، أم هي تلك الحالة الأخرى من التخاطر التي طالما حدثت بينهما.

هكذا تساءل. جرعة سعادة إضافية للمضي قدما في هذا اللقاء بثقة أكبر في النفس.

 أعاد الهاتف مع الألبوم إلى جيب معطفه الداخلي. كان بابلو يتابع تفاعله مع

الرسالة النصية وصورة الألبوم فقال له دون أي مقدمات:

–         لقطة ناجحة لمويا، أقصد الصورة.

–         صحيح. كانت لقطة ناجحة. التقطْتها لها في القصبة بالجاكاراندا.

–         صحيح؟

تفاجأ كلاهما بتلك التلقائية التي ألقت بكابو في تيار سيسحبه إلى الأعماق.

هكذا أحس بتلك الزلة التي ألقت بقدمه في مجرى النهر الهادر. استطاع بابلو أن

يكبح شلال انفعالاته بنشوة النصر من أول مناورة، فلم يعلق باهتمام كبير كأن

الأمر لم يبدو بتلك الأهمية. فقال كابو:

–         نعم صحيح سينيور بابلو. أظنك ارتحت قليلا أليس كذلك؟

 تابع كابو مبتسما وهو يتطلع إلى عيني الدون غيريرو دياث، يبحث فيهما عن نشوة

انتصار ما.

——————————

[1] <#_ftnref1>    بالفرنسية: سيارة متوسطة الحجم للاستعمال داخل المدينةCitadine

[2] <#_ftnref2> Chao : إلى اللقاء بالاسبانية

[3] <#_ftnref3> الخيفي غراندي:الزعيم الكبير  El jefe grande في إشارة إلى

الشيخ نواف الحمدوله الرئيس المدير العام لمجموعة بوكس لا فانغواريا  ومالك

الأغلبية الساحقة لأسهمها والتي تمتلك من بين ما تمتلك في إسبانيا سلسلة قنوات

(  (BLTVبوكس ليبرطاد  للتيلفزيون.

[4] <#_ftnref4> بلانيطا موسيكا: كوكب الموسيقى بالاسبانية *Planeta Music*a

[5] <#_ftnref5>  أحبك حبيبي بالإسبانية Te amo mi amor

مقطع من رواية تصدر قريبا..خاص لصحيفة قريش– ملحق ثقافات وآداب – لندن

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    الاخبار العاجلة
    WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com