نونو… عرّافة كوماي .. قصة الكاتب المغربي رشيد سكري

25 نوفمبر 2020
نونو… عرّافة كوماي .. قصة الكاتب المغربي رشيد سكري

قصة قصيرة

                                   نونو… عرَّافة  كوماي

                                                                               

رشيد سكري

رشيد سكري 

  نزل البرد قارسا هذه الليلة . 

طلـَّتْ من الشبابيك الصغيرة على الفناء ، فلم تجد نونو أبدا . صعدَتْ درجا رخاميا ضيقا إلى الأعلى ، ففتحت الباب بعد صرير أزعج الجيران .

ـ نونو يا أمي لم تعد . 

ـ وما عساك أن تفعلي ؟ 

ـ نونو رحلت عنا بعيدا … يا أمي  .

 ليس بالبعيد ولا بالقريب ، غرق الممر المعْتم في سكون قاتم ، إلا من خطوات مترنحة عائدة كما يؤوب الغياب . 

قرأت في بعض القصص القديمة ، عندما تحب حيوانا أليفا ، إلى حد الجنون ، من الواجب عليك أن تأكله ؛ لأن المحبوب يدخل الجسد ، ويلاعب أمعاءه .

فيتحد الجسد بالجسد … 

مرّت فصول وفصول على غياب نونو ، قطتنا المشاكسة اللعوب ، ظهورها في الساحة والفناء أحدث فرحة وحبورا عارمين . كنت على بينة من أمري ، أن نونو لا تطيق العيش من دون دلع ، ومن دون رقص على موزار و شوبان . كانت ذات الرداء الأحمر تجلس إلى البيانو ساعات طوالا ، تستحضر ميلودي بيتهوفن … 

وتقلد سمفونيته التاسعة … 

وما أن تصل إلى منعطفاتها  الطروب ؛ صاعدة نازلة … حتى تجيء نونو غـُنْجا ودلالا ، فتحس ذات الرداء الأحمر بالسعادة تغمر قلبا طاهرا ، بأناملَ من ذهب تزحف على ما تبقى … من نوتات وشذرات سمفونية … هكذا كانت تعيش ، ومن حولها نونو المِغْناج . 

  في ليلة قامرة كانت ممددة على سرير البيت ، فلم تشعر إلا و نونو تلحس راحة يدها اليمنى … نهضت ملسوعة تجري ،  وتتعاثر في تلابيبَ طويلة من الفانيلا الرقطاء ، وتصيح :  

ـ أمي … أمي …  نونو تقرأ الكف . 

لم تدر ما أحست به الأم ، وهي تتأمل ما تقول ، اسأليها إذن عن مصير أبيك الزعيم . طال الغياب … وطال الانتظار . عندما يعود … أظن أنني سأسمع أنه دُفن منذ ثلاثين عاما ، ركب الأوهام ، انتظر السراب ، فهناك سقوط وانتظار دائم . خيالي اللجوج يسافر بي كي أعثر على بقايا الحكاية … فلا نونو تستطيع أن تملأ حفر الزمن ، ولا تقدر أن تشد عضد هذا البنيان . إذا كان قدره أن يموت ها هو قد مات … سعلت شديدا حتى انتفخت أوداجها المهترئة .                

تذكّرني نونو راقصة بيتهوفن و موزار بعرافة كوماي ، تلك هي السيبيلا عند جبرا إبراهيم جبرا ، فعالمنا بلا خرائط ، يذهبون ولا يعودون . وعندما يشتد وطيسٌ تتكلم الموتى من تحت الأجداث . ولا يخافون ، أبدا ، عندما سيعود الخوف و القـُداد  إلى أبيك الزعيم .

  فكرت ذات الرداء الأحمر جيدا ، وقررت أن تفعل ما فعله سالفادور دالي الرسام الإسباني الشهير وزوجته غالا بأرنبهما الفاتن المدلل ، عندما أكلاه ؛ فالتحم جسد الأرنب بجسديهما إلى الأبد . فلا أستطيع أن آكل عرافة كوماي ؛ لأنها تعشق الموسيقى … وإلى الأبد .     

القصة خاصة لصحيفة قريش -ملحق ثقافات وآداب -لندن

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    الاخبار العاجلة
    WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com