الحسام محيي الدين
كاتب لبناني
في التسعين من عمره ماذا يريد أن يقول أدونيس بعد ؟!
أدونيس شاعر رمزي وجودي ،
متسائل دوماً ، يستشكل الثوابت في الدين والسياسة والاجتماع ويحاول اخراجها من
ذاكرة التحريم وأصفاد التابوهات .
إنه شاعر الخاص لا العام ، وحتى إشعار آخر ،
أي حتى استغناء القارىء العربي عن ميله المفرط لغنائية الشعر التي تحكم علاقته
به ، والتي جعلت من غير أدونيس متداول النص ومحفوظه . فكلنا يردد لمحمود درويش
ونزار قباني والسياب وغيرهم قصائد كثيرة لكن معظمنا لا يحفظ لأدونيس من شعره
إلا القليل ، لا لأن الأخير مقل شاعرية وإبداعا عن أترابه وإنما لأنه متقدم
دائما إلى ما يراه تجددا في الشعرية العربية وسِمةً أولى من سمات الحداثة
المرجوة التي خلت في من ملامح الايقاع العروضي وحفلت بشاعرية اللغة التي
يضمخها بموسيقاه الخاصة بعيدا من المبنى الغنائي ، مخاطبا ، وكما يقول إليوت ،
مستويات عديدة من الوعي والإدراك ، للوصول إلى التعبير المأمول عن المعنى
الوجودي للانسان . وهو أيضا ناقد نفسه الخاص ، فكان يلتزم بعد إصدار كل ديوان
شعر بأن يكتب فيه تأويلا وتبريرا بإصدار مصنّف نوعي لأجل ذلك، رافضاً غير
مُحتمِل لأن يترك نقد ذاته لغيره .
وبعيداً من مواقفه السياسية اضطلع أدونيس
بالمهمة الثقافية الكبرى في تطوير التنظير ونمذجة التطبيق للحداثة الشعرية
بحدودها وأبعادها ، في مرحلة مهمة من تاريخنا الأدبي وبالتوازي مع ذاكرته
النقدية ، وتنسيب كل ذلك في سياقاته الاجتماعية التي تولّدَ عنها . لقد ناضل
كأصلب ما يكون النضال ، وهو بمقدار ما أدخلنا في إشكاليات الوعي الحداثوي للنص
، بمقدار ما حاول إخراجنا إلى منظور جديد يزاوج بين القديم والمعاصر بلا حدود
تحت سطوة الحاجة الملحة لحداثة مثالية ، أصبحت مع الزمن منتهية الصلاحية وفقدت
زخم السباق إلى تحقيق نواة مرجعية أدبية تنظيراً وتحقيقاً ، بل تحولت نعياً
تاريخياً لاستقلالية الحقل الأدبي العربي شعراً ونقداً عن تلك النصوص “
الساحرة” القادمة إلينا من الغرب .
إذ لا شك أن أدونيس حمل فكراً ديناميكيا
قادراً على خلق حراك أصيل ومعاصِر لبِنيتَي الشعر والنقد ويُحسب له توسيع مجرى
النهر الجديد لكليهما من دون أن يضع أحدهما فوق الآخر ، طامحاً وبعمق بأن يكون
نجم الثورة الحقيقية لقصيدة الحداثة التي يريد البحث عن حقيقتها بدون منهج
واضح وبزئبقية نقدية تتطلب ربما أن يكون مطلوباً للمحاكمة اليوم أو بعد حين
تماماً كمحاكمات سقراط أو جاليلو أو الحلاج التاريخية المماثلة ، مما قد
يُستكتَب لاحقاً في تاريخ الشعر العربي .
عذراً التعليقات مغلقة