خواطر.. غسّالة في مكتبة عامة

3 فبراير 2021
خواطر.. غسّالة في مكتبة عامة

نجوى معروف

لفتت نظري صورة غريبة لمكتبة أنيقة بها غسّالة ملابس، طبعًا ظننت أن المغزى يكمن في أن القراءة وتنوع المصادر تغسل العقول وفقًا لاختلاف الكُتّاب وتوجهاتهم في مجالات الدين والاقتصاد والسياسة والأدب والعلوم بناءً على المقولة الشهيرة «قُلْ ماذا تقرأ أقل لك من أنت».

تُعتبر القراءة مفتاح التطوير الذاتي بهدف الارتقاء الفكري الذي يمنح الأفراد القدرة على تأدية أدوارهم التربوية والمجتمعية للارتقاء بالمجتمع.

ولسبب ما دار في رأسي ما انتشر من شائعات عن قضايا مقترنة ببعض مشاهير وسائل التواصل الاجتماعي، وإن كنت غير معنيّة بأيّ منهم ولا أصدق أخبارًا غير موثوقة المصدر، لكنني أرى أن ثقافة غسل الأموال تستحق التوعية تجنبّاً للوقوع في الشبهات، فالجاهل عدو نفسه وغيره، كما أن الاحتراز من التوجيه الفكري أمر يستحق الحرص والانتباه.

وعادة ما تكون التوعية بتبييض الأموال إلزامية لرجال القانون وموظفي البنوك، ليتمكنوا من تحديد نوعية العملاء قبل منحهم الثقة بفتح حسابات إلاّ بعد التأكد من مصدر المال والتحقق من تراخيص الأعمال، مع متابعة حوالاتهم وإيداعاتهم وملاحظة التغيّر في أحوالهم المعيشية، ومن الطبيعي أن يغفل عامة الناس عن هذه التفاصيل حتى لو لاحظوا مظاهر الترف الفجائية على البعض فيما لا يتناسب مع أعمالهم، فيتغاضوا انطلاقًا من مبدأ إنّ بعض الظن إثم، أو يظهروا الإعجاب بنجاحهم تجنّبًا لتهمة الحسد.

ومن المؤسف أن يقارن بعض الأهالي أبناءهم بثراء بعض المشاهير أو غيرهم، الأمر الذي يجعلهم يقتدون بهم، وفي الوقت نفسه تجد أغلب الأهالي يعانون من شغف أبنائهم بفئات مختلفة ويحذرونهم من التقليد الأعمى، خاصة إذا تجاوزت تصرفاتهم في البث الآداب المجتمعية العامة، ولا بد أن نشير إلى أن الخطر قد يختبئ في ثياب الواعظين أيضًا، وربما يقع ضحيته الكبير والصغير. 

وبدون تعميم لا بد من إنصاف بعض المشاهير وأصحاب المواقع لما قدموا لنا من فوائد، لكن هذا لا يعني أنهم مصدر موثوق وأنهم دائماً على حق، وأنّ علينا تصديقهم دون البحث والتمحيص في أقوالهم. 

المتابعة شيء والتبعيّة شيء آخر، فالخيارات متاحة، لكن الحرص واجب في تجنب التابعية المُضَلِلة، مع الوضع في الاعتبار أن الإنسان غير معصوم من الخطأ أو التَغيُّر، قد يبدأ عظيمًا ويجذبنا للإعجاب بحديثه وعلومه، لكنّه مُعرّض لوساوس شياطين الإنس والجن وللوقوع في مصيدة الطمع والتبعية أيضًا، فيجعل من استماعنا له فخًّا ليُملي علينا أجندة تغسل الأدمغة وتقلّب القلوب وتثير الشكوك في كثير من المبادئ والمفاهيم.

الخسائر المادية قابلة للتعويض وقد لا تُؤثر على المجتمع، لكن التطرف الفكري هو الكارثة التي تتجسد بسهولة في البيئات الساذجة على وجه التحديد، فغسل العقول لا يقلّ خطورة عن غسل الأموال.

التطرف الفكري له وجهان، أحدهما مكشوف يمكن تشخيصه بسهولة، والآخر مقنَّع تضيع معه البوصلة، لا سيما إذا اتخذ صيغة علمية، وظهر بوجه حضاري له تأثير كبير وخطير في الشعوب والمجتمعات وقد يصل تضليله حد تصور أنه النهج الصحيح وما عداه هو الشذوذ والخطأ.

المهم، تبيّن لي أن تلك الصورة ليست سوى إعلان تجاري لتسويق غسالة جديدة تعمل بلا صوت لدرجة أنه يمكن وضعها في مكتبة عامّة دون إزعاج القُرّاء، فقلت في نفسي «إن بعض الظن إثم». 

najwa22966@gmail.com

الراية

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com