شمّاعة الظروف

11 فبراير 2021
شمّاعة الظروف

مليحة عبدالكريم الشافعي

مَن منّا لم تعركه الحياة، وتقذفه أمواج الإخفاقات، من منّا سلك طريقًا ووجد أمامه العشرات من العقبات والأشواك، الجميع بلا استثناء يمر بالظروف الصعبة، وحالات اليأس والخذلان، لكن الفارق أن بعضنا يسمح للقنوط أن يتسلل إلى نفسه فيبقى في حالة تيهان ويبرر لنفسه بالظروف والأعذار، في حين يتمسّك الناجحون بالأمل ولا يسمحون للظروف بالسيطرة عليهم ومن الفشل تحولت قصص نجاحات عظيمة.

توالدت في بعض الشعوب -العربية على وجه الخصوص- ثقافة الأعذار، وظروف الواقع، وتحميل الآخرين مسؤولية الفشل، الكثير ينتظر أن يأتيه النجاح على طبق من ذهب، وإذا فكر في خوض تجربة وفشل فيها انزوى على نفسه ودخل حالة من الانهزام معللًا بالأوضاع والأسرة والمجتمع والحكومة والكثير من الأعذار.

أصبحت لدينا شماعة جاهزة للتمسك بها في حال فشلنا، يفشل الموظف في أداء مهامه ويتعلق بشماعة الإدارة، يفشل المعلم بأداء رسالته التربوية ويتعلق بشماعة ضعف الوسائل والمناهج، يفشل الكثير من رواد الأعمال في تجارب أولية فيتمسكون بشماعات الأوضاع وخيانة الشركاء وتقصير الحكومات.

أخطر ما يمكن أن يقع فيه الإنسان وخصوصًا فئة الشباب أن تتحول شماعة الظروف إلى حالة من الاتكالية والانهزام والاعتماد على الآخرين وانتظار أن يأتي النجاح على شكل خاتم سحري أو مارد فانوس، وهي أوهام إذا تضخمت في ذهنية الإنسان حولته إلى عالة على المجتمع وشخص غير نافع. أعرف شابًا في مقتبل العمر خطى حياته الأولية بكل تألق حتى أصبح يشار إليه بالبنان، لكنه دخل في نوبة يأس وقنوط بسبب فشل قصة زواج، وحالات فشل أخرى في أعمال خاصة وعامة، وبعد أن كان يعطي الآخرين تحول إلى حالة انكسار منتظرًا المواساة من إخوانه وأقربائه، كان بإمكانه أن يحطم اليأس ويبدأ صفحات جديدة – خصوصًا وأنه يمتلك الكثير من المواهب – لكنه قبل الهزيمة.

اتخذ الصحابي عمر بن الخطاب معيارًا خاصًا يقيّم من خلاله الرجال، حيث كان يسأل عن الرجل ويقول أله حرفة، ما عمله؟ فإن قالوا: لا يعمل، قال: لقط سقط من عيني!

هاجر الصحابي الجليل عبد الرحمن بن عوف إلى المدينة تاركًا وراءه أموالًا طائلة في مكة المكرمة، قدّم له الصحابي الجليل سعد بن الربيع عرضًا مغريًا في تقاسم أمواله وكان من أغنى رجال المدينة، لكن عبد الرحمن بن عوف رفض العرض، وقال له: بارك الله لك في أهلك ومالك، دلوني على السوق، وأصبح بعدها من أغنياء المدينة.

يقولون إن «خسارة معركة في كثير من الأحيان تعلمك كيف تربح الحرب». وجميعنا يعرف قصة توماس أديسون الذي تحول إلى مضرب مثل للرجل المكافح الذي طرد من المدرسة بقسوة وظلم، لكنه حاول وهزم الفشل آلاف المرات حتى تحول إلى أعجوبة في الاختراعات وسجل في تاريخه أكثر من 10093 براءة اختراع.

حياتك وواقعك وظروفك ليست السبب في عدم نجاحك، كثير من الشخصيات الناجحة مرت بنفس الظروف التي تعيشها بل وأسوأ بكثير، الفارق أنهم لم يعلقوا شماعة الظروف بل كسروا أصنام اليأس وحطموا قيود الأعذار.

للملياردير الأمريكي والاس جونسون مقولة جميلة قال فيها «لو علمت أين يقيم مديري في العمل الذي طردني من المصنع وأنا في الأربعين من عمري لذهبت إليه، وقدمت له الشكر وباقات الورد على طردي، لأنه بذلك ساعدني في اتخاذ الخطوة الأولى؛ لكي أصبح مليارديرًا».

صناعة الشماعة ظاهرة تتقنها الشعوب الضعيفة والمترددة، وحريّ بنا أن نتمسك بمنهاج السماء ورسالة النبوة في السعي والتوكل والاجتهاد والعمل بالأسباب.

حان الوقت لكي تبتكر لنفسك «منظومة دفاعية» تحميك من مبررات الظروف وأعذار عدم توفر الفرص، وانتظار مساعدة الآخرين. قم يا أخي وانهض واغتنم أوقاتك، كن في الصدارة أو على الأقل في نفس الخط مع الآخرين.

تذكر عزيزي «كن كالشمس في استنادك إلى نفسك، فإن نور الشمس يشع من نفسه». 

خبيرة ومدرّبة في مجال التنمية

البشرية والتطوير المؤسسي

Al.maliha@hotmail.com

الراية

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    الاخبار العاجلة
    WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com