أنيسيات.. من فراش اللبنانية الى شوارب البعثي

17 مارس 2021
أنيسيات.. من فراش اللبنانية الى شوارب البعثي

انيس السعيدي

انيس السعيدي

كاتب ودبلوماسي عراقي سابق

( هذا الغريب امنين ؟ )…

عام 91 وأنا رهن الإعتقال ، زارنا مسؤولٌ أمنيّ يهمس في أذن مأمور السجن ، يرسلان أنظارهما نحوي ، ولاأعرف كيف ساقت الريح الكلام اليّ ، رغم أني لاأجيد استراق السمع مسافاتٍ بعيدة ، يجلسان في مقدمة المعتقل ، وأنا قابعٌ في نهايته ، أسند ظهري الى الجدار أقرأ كتاباً لايفارقني :– هذا أنيس ، صدر بيه قرار الإعدام ، بس المشكلة ماكو مكان آمن انفّذ بيه الحكم ، نخاف من امريكا تقصفنه ونروح فطيس بسبب هذا ال ……

دارت بيَ الأرض خمسة آلاف دورة في ثانية واحدة ، ولكني استرجعت توازني ، أسأل نفسي لو طلبت مني هيأة التنفيذ قراراً نهائيا :– ماذا تريد قبل الموت ؟… سأجيبهم : أتمنى أن أرى أبنائي ، ولكني تراجعت ، فلا أريدهم أن يروني مهزوماً مضرّجاً بدمي…

صباح كل يوم يعاودنا المراسل ، نوصيه حاجاتٍ لنا وشؤونا ، وكل مايحتاجه سجينٌ مغضوبٌ عليه ، فإذا وصلني السره ، إستفسر مني الفتى :– وانته شتريد استاد ؟… ناولته گصگوصة كتبتُ عليها (الحب في زمن الكوليرا ) غابريل غارسيا ماركيز ، قرأتُ الدهشة في وجهه الصحراوي الرشيق ،

تابعت حديثي مغلّساً عمّا في محيّاه :– تروح لمكتبة أبو طه بشارع السعدون وتگله : دزني عليك أستاذ أنيس ، يريد هاي الرواية ، وهوه يطلّعها إلك من جوّه الگاع ، بس أصبر عليه شوية ! … في المساء كاشفني زميلي في الحبس ، موضع أسراري ، أنّ المراسل صارحه الرأي حينها :- هذا صاحبك أستاد أنيس شگد فطير ، هوه محكوم عليه بالاعدام ، وجاي يقره روايات وكتب ؟..

. لا تعلمون حجم فرحتي وأنا أستلم القصة ، أكملت قراءتها يوماً وليلة ، أسابق الموت في إنهائها قبل أن يفاجأني الإعدام حكماً مقضيا ،

توّجه كبيرهم تهديداً غليظا :– والله شواربي مو عليه ، إذا ماأعدمو لهذا المتآمر ، يتهجّم ع السيد الرئيس القائد !!– فإطلقت الرد ، لم يجرؤ أحدٌّ إيصاله :– هوه عنده شوارب ، وآني عندي شوارب ، وراح نشوف منو اللي راح يزيّنهن بالأخير ؟.

تزوج بدويٌّ عراقيّ لبنانيةً جميلة ، لاتجيد طبخاً ولاشويا ، تعودا يتناولان طعامها دليڤري ، طالما تسعده في الفراش لياليا ، عاد ذات مساءٍ أوعدته يتعشيان في البيت تطوعاً وكرما ، تفاجئه عن الوجبة إعتذارا ، إذ إنشغلت بشعرها تسريحاً وأظافرها طلاءا ، فأرعد وأزبد ، يغادرها الى السرير انفرادا ، حتى مضى من الليل شطره ، إشتاقت الى مضاجعته غزلاً حميما ، كشفت عنه الغطاء تداعبه غنجا :– لك تئبرني حبيب ئلبي،كرمال الله ، أعملك مساج إزا بدك؟… إنتفض صاحبنا القحيح عراقةً ، يزيح عن رأسه لحافاً سميكا ، يهددها رجولةً وثبورا :– والله إذا سويتي مساج ، إلاّ أشمره بالشارع هوه والجدر !

قبل يومين إستفزّني متأسلمٌ ، يقتحم دكاني ، يكرّ حبات سبحته السوداء ، يتمتم تراتيلا ًحبستها شفتاه :- هاي شجاي تقره أستاد ؟- جاي أعيد قراءة (هكذا تكلّم زرادشت ) فريدريش نيتشه ، درسناها أيام الكلية باللغة الألمانية ، عسيرة الفهم حتى على الألمان فلسفةً وربما لغةً أيضا… هزّ الرجل رأسه يميناً وشمالا ً يحتجّ صلافةً :– هاي بدل ماتقرا أدعية وزيارات ضد هاي الكوروناوتسجدلك نص ساعة ، جاي تقرا كتب مال كفار ؟… إختصرت الطريق إليه تماماً– إتفضل اطلع برّه ، لاأشمرك بالشارع أنته والجدر مثل مساج صديقنا البدوي العراقي ؟

ومن البليّة عذلُ من لايرعويعن غيّه ، وخطابُ من لايفهمُ… وأنا أنهي كتابة هذا المقال جهداً وإعياءا ، جثمت أمام دكاني سيارةٌ تطال سماءا ، لاأعرف لها ثمناً فتاءا ، صفعتُ قائدها ثمانينيات القرن الماضي مراراً إداءا ، لقذارة أنفه ومن دراسته غباءا ، يخاطبني شمخرةً لواءا :– من رخصتك حجي ، بلكي باكيت أيسي ؟… خرجتُ إليه ، أناوله السجائرَ قبضةً نجلاءا، إستلمها لايطيق رؤيتي مغبةً وجفاءا ، تحامل يناجزني سناءا :– تعذرني خالي ، ماأگدر أنزلك ، لابس حذاء جديد ، أخاف عليه يتوصخ ، وآني عندي إجتماع حزبي — لا على بختك ، سلامتك أستاذ ، إنته والحزب والقندرة ؟… شحط مركبته غضباً قذاءا ، يروم المريخ لو شاء اعتلاءا ، وصوت باسم الكربلائي يصدح عتباً شقاءا :– هذا الغريب امنين ، وين اهله راحوا وين ؟؟يأيّها السيفُ المجرّدُ …… في الفلايكسو السيوفَ على الزمان مضاءا( ستون ) ، لو ركبت مناكبَ شاهقٍلترجلت هضباتُه ………….. إعياءا… ليست الأعجوبة في أن تنجو من الموت… ولكنها في أن تصارع الحياة بلا سلاح ،،… هكذا تكلّم أنيس !!

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    الاخبار العاجلة
    WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com