د. جاسم محمد صالح الدليمي
كيف كان شكل الحياة النيابية في مستهل قيام الدولة العراقية الحديثة؟ومن هم ابرز اعلامها؟ وماهي القضايا التي شغلت البرلمان الناشىء ؟ وما اسباب ولادته ناضجاً في طروحاته وتعاطيه مع الشأن السياسي والاجتماعي والمعيشي للبلد ؟ وما افاق العلاقات الخارجية وما يتصل بها من مواقف اقليمية ودولية؟ اسئلة بالغة الاهمية
وجد الباحث والاكاديمي العراقي الأستاذ الدكتور عدنان سامي الزرري اجابات دقيقة لها في استعراض تاريخي استقصائي موثق في كتابه الموسوم
ب ( مجلس النوّاب العراقي خلال العهد الملكي 1925- 1958م تجربة نواب الموصل )
قام الكتاب على مقدمة تناولت رصد وتحليل بدايات الممارسات الانتخابية وجذور الحياة البرلمانية التي عرفها اهل الموصل ابان العهد العثماني حين كونت بدايات الوعي بالتمثيل النيابي للمجتمع الموصلي ثم تطور لاحقا مع الممارسات الانتخابية في العهد الملكي العراقي .
وتناول الكتاب في فصوله السبعة دور نوّاب الموصل ومساهمتهم الفاعلة في مجلس النوّاب العراقي في العهد الملكي ، مبينا الانتماء الاجتماعي والسياسي لهم ،ومبرزا دورهم في عرض وتحليل ومناقشة القضايا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية التي يعيشها المجتمع الموصلي خاصة والعراقي عامة .
وقد مثلت الموصل في المجلس النيابي بدوراته الست عشرة المتعاقبة بشخصيات متباينة في اتجاهاتها السياسية وفي مواقفها من الحكومة ، فمنها من كان معتدا في المعارضة او كان يمثل اتجاها سياسيا مستقلا ، ومنها من كان مؤيدا للحكومة ، وعلى الرغم من ان المجلس النيابي كان في الواجهة السياسية يمثل الخلفية العاكسة لحركة الدولة فانه في الوقت ذاته كان ذا دور فاعل في تقويم وتقييم البرنامج الوزاري للحكومة فضلا عن مواكبة الاحداث السياسية وتطوراتها .
ولم تكن تجربة نواب الموصل في مجلس النواب العراقي في العهد الملكي تجربة محدودة او ضيقة الأفق في معالجة واقع الحياة العراقية عامة ولم تكن منغلقة او محصورة في اطار التمثيل النيابي بحدود الموصل واقضيتها ونواحيها او تركيبتها السكانية ، فقد استوعب التعبير عن القضايا الانسان العراقي وهمومه وطموحاته في العيش الآمن المستقر فضلا عن السعي الى مستقبل افضل للأجيال القادمة .
عاش نواب الموصل الحياة الديمقراطية تحت قبة البرلمان العراقي مع زملائهم من نواب المدن العراقية الأخرى ورسخوا تقاليد ديمقراطية أفاد منها ممثلو الشعب في الدورات الانتخابية المتعاقبة ، ولم يكن هدفهم الأساس هو انتقاد الحكومة ورصد اخطائها او النيل من وزرائها انما كان نشاطهم النيابي والسياسي يسعى الى التكامل مع الحكومة وبرامجها التنفيذية من اجل خدمة الشعب والوطن والنهوض بالأمة نحو آفاق جديد من التقدم الحضاري بهدف مستقبل أفضل للأجيال القادمة .
والكتاب هو في الأصل أطروحة دكتوراه قدمت الى مجلس كلية الآداب جامعة الموصل 1993 جدير بالقراءة بما توافر على عرض وتحليل للكثير من القضايا التي عالجها نواب الموصل بوعي ناضج راق وهم يمثلون مدينتهم ذات البعد الحضاري والتاريخي الأصيل في تكوين العراق قديما وحديثا ، فضلا عن المواقف الإنسانية التي اتخذوها إزاء القضايا بأبعادها المحلية او الاقليمية او القومية او الدولية ، ولابد للقارئ العراقي عامة والموصلي خاصة من إقامة موازنة فكرية سياسية اجتماعية بين نواب الامس ونواب اليوم في ممارسة الحياة النيابية .
عذراً التعليقات مغلقة