هنا في سوريا
شعر
أسامة الزقزوق
شاعر من مصر
هنا في سوريا
يغيض الماء من بين الأصابع
وعند حافة البئر المعطلة
وبين جنبات القصر الخرّب المشيّد
وهنا ينبت العشب الذابل
فوق مُقل العيون ملتاثاً بالهجير
ومكوراً نفسه فوق زغب الطير
المهاجر عنوةً من البلاد الحبيبة
إلى هوة من السراب
حيث مراكب الشمس هنالك
تغرق في الصحراء
وحيث البحر يستجدي الرّيّ
من زرقة السماء
هنا في سوريا
ملامح لوجه طفل حزين
تكلّست في ملامحه
كل الوجوه الحزينة للأطفال
فما عادت بحاجة إلى فرشاة
أو رسام
أو شاعر
ما عدت تشتهي سوي يدٍ بيضاء
تُعيده إلي سيرته الأولى
وتنزع الصبح من سويداء قلب الليل
المتغطرس في حانات لهوة
هنا في سوريا
تغتال الزهور فوق أغصانها
وتوأد ألحانها في صوت القنابل
في اللهب
في الحمّم الطالعات من سطوح المنازل
في شواشي النخيل
في هسيس البيارق المطفأة في الشوارعٍ
في الظل الذي يتبع الظل
ويخذله عند مفترق الطرق
في الشقوق التي تحتفظ بها ذاكرة الجرذان
في النار التي تراود الرماد عن نفسه
لئلا يشتعل ثانية
هنا في سوريا
أقدام تركض بلا رؤوس
ورؤوس تركض بلا أقدام
في شوارع خلفية
تبحث عن بوابات للخلاص
هنا في سوريا
ألاف الأطفال
يبحثون بين أكوام الرماد
وبين بقايا أطلال بيوتهم
حجراتهم
ذكرياتهم
عن أحصنتهم الخشبية التي أُهديت إليهم
في أعياد ميلادهم
وعند قدوم فصل الربيع
هنا في سوريا
دكاكين
وحوانيت
أغلقت أبوابها
في وجه الزائرين القراصنة
وفي وجه حاملي بطاقات الشجب
والتنديد
هنا في سوريا
زجاجات خمر
َتعَتقتْ
وهَرِمتْ
وتناثر زجاجها
من صدي البارود الذي هتك ستر
شغاف قلب المدى
ُهنا في سوريا
كل شيء
صار إلى لا شيء
خاص لملحق ثقافات وآداب – لندن
عذراً التعليقات مغلقة