عبد العزيز شبراط
صعب جدا أن تحاور شخصا لا يملك الحد الأدنى من قواعد المنطق، ولا أدوات الحوار، بل الأكثر صعوبة هو أن يكون لهذا الشخص صعوبةكبيرة في ترتيب الكلمات لصنع جمل ذات معنى، أو يكون غير قادر على نطق جمل بشكل صحيح حينما يكتبها له أحدهم، ثم مباشرة بعدالانتهاء من قراءة تلك الجمل، والتي عانى كثيرا لإتمامها بعدما شبحها حتى تحولت معانيها الى ضد ما كتبت من أجله، يقرر مع ذاته أن لا يقرأمرة أخرى نصا مكتوبا، معتقدا أن من كتب له ذلك النص، كان ينوي توريطه وجعله أضحوكة أمام المستمعين، ومن هنا يظن مرة أخرى أنه فيمستوى التعبير على أفكاره بالدارجة، ألم يقترح أحدهم يوما أنه على المدرسة العمومية المغربية اعتماد الدارجة في التدريس، عوض اللغةالعربية الفصحى؟ وانطلاقا من هذا الاقتراح الأرعن الذي التصق بذاكرته حينها، اتخذ قراره بمخاطبة الأخرين عبر تقنية الفيديو، ولا حاجة لهبخطاب مكتوب بلغة لا يمتلك قواعدها، ولا قدرة له على فك رموزها، كما أنه في قرارات نفسه، يعتبر أن الاعتماد على الفيديو، يجعله رجلزمانه، يساير عصر التكنولوجيا الحديثة، وهو يظن أن ذلك سيمكنه من التعبير عن أفكاره بشكل واضح، غير أن الأمر ليس كذلك، فبمجرد ماينطلق في الكلام، حتى تتبعثر لديه دراجته، ويجد نفسه يقول كلاما غير مفهوم، فيسقط في حفرة لا مخرج لها، وهو يحاول توضيح موقفهيدخل في المحظور، إن الأفكار الجديدة والحديثة والإبداعية، لا تنتج من أدمغة محدودة التفكير أو لها صعوبات في التعبير، بل هي تُنتَجُ منأدمغة قادرة على المعرفة و الفهم والتطبيق والتحليل ثم التقييم والابداع، (حسب صنافة بلوم)، ودون هذا يكون كلام صاحبنا مجرد هرطقات،تضر به قبل غيره في غالب الأحيان.
فمثل هؤلاء، إن كانوا في موقع المسؤولية وموضع تدبير الشأن العام، يخيل إليهم أن كتاب الرأي أعداءً لهم، وأن منتقديهم ليسوا سوىحسادا، يسعون إلى النيل منهم! مما يجعلهم منفعلين ومتعصبين من كتاباتهم واقتراحاتهم عبر الانتقاد البناء، والذي لا يفهمون مغزاه ولا معناه،و حينما يقفون أمام ميكروفون ما، يظنون أنهم يردون على منتقديهم ويوضحون للساكنة، بينما هم في حقيقة الأمر يتخبطون في المبهمواللامنطق! ولو كانوا يدركون حقا ما يقدمه أولائك النقاد، لرحبوا بأفكارهم واعتمدوها وعملوا على إنجازها، عوض التصريح بخرافات لا يقبلهاحتى عقول الأطفال! ولكن، ماذا ننتظر من فاقد الشيء؟.
إن مثل هؤلاء الناس يساهمون بشكل كبير في تأخر البلاد وتعثرها، ويفوتون عليها فرصا قد لا تعوض فيما بعد، لهذا فإن الكثير من رؤساءالجماعات والمجالس الجماعية ومثلهم في مواقع أخرى لتدبير الشأن العام، يقضون فترة ولايتهم في نسج خيوط العنكبوت، ظنا منهم أنهميصلحون ويطورون! بينما هم يصنعون الكوارث، ويساهمون بامتياز في تأخر المدينة أو الجماعة ومن ثم البلاد!
يجب أن نشير أيضا الى أن المسؤولية لا تقع فقط على هؤلاء، بل تقع أيضا على الهيئة الناخبة، التي لا تفرق بين الأمي الجاهل وبين العارفالمتنور، الذي يضع المصلحة العامة قبل مصالحه الضيقة، وتفضل 200 درهم عوض التصويت على من يستحق، كما أن المسؤولية تقع كذلكعلى الذين لهم القدرة على التسيير ويفضلون المقاطعة، ظنا منهم أنهم يعاقبون مثل هؤلاء، بينما هم في واقع الأمر، يمنحوهم فرصة العودةالى مراكز القرار، ليعبثوا بمصالح المواطنين! ويفوتون الفرص على البلاد.
معلوم أن تطور التكنولوجيا الحديثة منح فرصة التعبير والانتقاد للجميع، ولهذا يجب علينا اعتماد هذه التكنولوجيات الحديثة لمسايرة الأوضاع ومعالجتها، والمساهمة في تحسينها وتطويرها، عوض استغلالها للسب والقذف، وتشويه سمعة البلاد، ونشر التفاهات والكوارث والفضائح وهلم جرا.
ما أحوجنا اليوم الى النخبة المثقفة الصادقة النزيهة، وإلى الفنانين المبدعين الملتزمين بقضايا وطنهم، ليؤسس الجميع سدا سميكا منيعا،تصطدم به كل تلك الأصوات المغشوشة، وتسقط في الحفرة المظلمة التي انسلت منها، في غفلة من مجال الوضوح والنزاهة والالتزام بهمومالبلاد والعباد، مستغلة عدم وجود هذا السد الذي ننشده اليوم قبل فوات الأوان.
عذراً التعليقات مغلقة