علي حسن الفواز
هل يمكن أن نتحدَّث عن أنموذج تداولي لـ “السياسي العضوي” على غرار ماهو شائع عن المثقف العضوي؟ وهل يمكن لهذا السياسي أن يؤدي ذات الوظيفة النقدية والقيادية؟ وهل يملك قابلية استثنائية لجعل الحالة السياسية متقدمة، على مستوى الوعي والممارسة، وعلى مستوى المسؤولية؟.
أحسب أنَّ هذه الاسئلة تكتسب اهميتها من خلال هيمنة صورة السياسي التقليدي والنمطي، وتضخم مظاهر “الضعف” في ادائه المهني، وفي عدم قدرته على تجديد ادواته في الادارة وفي الفاعليات السياسية والاجتماعية والثقافية، وهذا ما يجعل الحديث عن “السياسي العضوي” قريناً بالحاجة إلى أنموذج آخر للخطاب السياسي، ولمسؤولية تداوله تاريخيا وتنظيميا، وحتى انقاذيا، لأنَّ هذا السياسي يمكن أن يكون ضمير مجتمعه، وأن ينماز بحساسية نقدية إزاء ما يجري، مثلما هي قدرته على تحويل الوعي إلى ممارسة فاعلة في ادارة الازمات والثروات والمصالح، وفي الالتزام بقضايا الناس الذين يحتاجون إلى “الوعي العملي” وإلى قوة الفعل السياسي الذي يتفاعل مع خطورة مسؤوليتها في النظر إلى مفاهيم الدولة والحرية والحقوق والتنمية، وأن يكون فعل العضوية السياسية عبر قوة النقد، في التعاطي مع تلك المفاهيم وكيفية وضعها في السياق والتداول اللذين يرتبطان بحاجة الناس.
صحيح أنَّ أنموذج المثقف العضوي الذي طرحه “غرامشي” له مبرراته التاريخية، والايديولوجية، لكنه ايضا كان بمبررات سياسية واضحة، لأنه أنموذج نقدي واضح لكثيرٍ من مظاهر الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي عاشها المجتمع الايطالي، وهذا ما يُعطي لحديث “السياسي العضوي” أبعادا ترتبط بطبيعة التحولات التي نعيشها، وحجم التحديات التي نواجهها، والتي تتطلب “سياسيا” عميق النظر، ويستشرف المستقبل، مع طبيعة الصراعات والأزمات التي يعيشها العالم، مثلما تتطلب “مثقفا” له أدواته الجديدة والفاعلة في النقد وفي الوعي وفي الادارة، وفي ادراك اسباب شيوع مظاهر الفساد والفشل والرثاثة، فضلا عن مواجهة حاجات حقوقية، أو حتى التعبير عن حاجات ثقافية تطلبها الناس لتحسين مستويات حياتهم، وتأهيل واقعهم للتفاعل مع قيم التنمية والتقدم والحداثة.
إن التعالق ما بين الحاجة إلى “المثقف العضوي” و”السياسي العضوي” صار لازما وضروريا، يعكس مدى الاهمية إلى ممارسات نقدية حقيقية، تتطلب مراجعة للعملية السياسية، وفحصاً لإشكالاتها، ومقاربة تستدعي الصراحة، والكشف، والمواجهة، وباتجاه أن تكون الخيارات السياسية المقبلة، أكثر وعيا بحاجات التغيير، وأكثر وعيا بالتجاوز، إذ إنَّ اعادة انتاج ذات الخطاب، وذات المنصات، وذات الوجوه، تعني أننا سنكون أمام أزمات حقيقية، بدءا من ازمة بناء الدولة الجديدة، وبناء مؤسساتها الدستورية، وصولا إلى ازمة السيطرة على الأمن المجتمعي، ومواجهة الارهاب والتكفير والكراهية، وانتهاء بأزمة ادارة الثروة والمستقبل وعلى وفق اسس عملياتية، وتنظيمية تؤطرها الحوكمة والرقابة والضبط والقانون، وأحسب أنَّ هذه المسؤوليات هي جوهر عمل “السياسي العضوي” الذي نحتاجه في هذه المرحلة الخطيرة.
عذراً التعليقات مغلقة