ثلاث قصص
سناء شفيبرت
قاصة من فلسطين/ مقيمة بألمانيا- برلين
صيد آخر
تزوجَتْهُ رغم تحذيرات من حولها منه، لِما كان يَرُوج عنه من براعة في النصب والاحتيال، وعلاقاته المؤقتة التي تساعده على البقاء حتى يستنفد كل ما يمكن من ضحاياه، لتبدأ جولات البحث عن صيد آخر يداهمه كما يداهم الجراد الحقول.
بدأت رحلة اكتشاف حقيقته بعد أشهر من ارتباطهما، حين كان ينتظر راتبها الشهري لينفقه في الملاهي الليلية والقمار، أملا في الرِّبح السريع.
محاولاتها في إصلاحه باءت بالفشل، تماما مثل قرارها بتركه بعد أن صار لها ابنة منه.
وفي ليلة غاب القمر عن سمائها قررت الرَّحيل مع ابنتها بعيدا بما تبقى لها من قدرة على العيش، تاركةً إياه لقدره لتسترجع نفسها كما تستعيد الطبيعة عافيتها، بعد كل خريف متجاوزة ما ألحقها بها من دمار.
حياة بين السطور
يقضي وقته جالسا في الميناء، ينتظر السفن القادمة من أفق بعيد يعرفه من خلال أحاديث بحارة، يستودعونه خبايا حياتهم، التي لم يختبروا فيها سوى الترحال.
حكاياتهم كانت بذور كتاباته، التي نمت لتصبح روايات تمجد الغياب والتشرد، كطريق لاكتشاف الكوكب الذي نتركه مرغمين يوما ما دون التعرف عليه حقا.
كان يستمع إليهم بنهم، جعل من يقرأ رواياته يرسم في مخيلته كاتبا جاب العالم مختبرا كل شيء فيه.
ولا أحد يعرف أنه لم يغادر البقعة التي وُلِد فيها لخوفه المَرَضي من السفر، وأنه عاش حياة الآخرين الذين يجهلون أن اختيارهم العيش دون مأوى قد تغير بعد أن خلق لهم هذا الكاتب وطنا، تعيش حكاياتهم بين سطوره إلى الأزل.
موت مؤجل
تعرَّفَتْ على ملامحه بعد مرور عقد من الزمن على آخر مرة رأته فيها، وهو في زيه العسكري يرسم الصرامة على وجهه متفاديا النظر إليها.
كانت سجينته في أحد المعتقلات النازية في بولندا، بعد اختطافها وهي تجلس بجانب جثة والدتها، التي سقطت ضحية طائرة حربية كانت تقنُص الجوعى المنتشرين في الحقول بحثا عن شيء يؤكل تحت التراب.
في النهار كانت تعمل لساعات طويلة -على حمل حجارة البناء وتكسيرها- دون طعام أو شراب، وتحرص على ألا تقع من الإنهاك لكي لا تَنزِل عصاه على جسدها الهزيل.
وفي الليل تحصل منه على قطعة خبز إضافية، تأكلها أمامه ليتأكد من أنها لن تعطيها لأحدٍ قرروا قتله جوعا.
وقبل إعلان انتهاء الحرب بساعات لاذ بالفرار، متنكرا بملابس فلاحي تلك المنطقة، وتاركا لها معطفه الثقيل.
ساقها العوز إلى امتهان الدعارة، لتقف أمامه في أحد الملاهي الليلية، وتبدأ علاقة مريبة بينهما انتهت بقتلها لخوفه من افتضاح ماضيه، وكأن موتها المحتوم على يديه كان مؤجلا.
ثلاث قصص خاصة لصحيفة قريش – ملحق ثقافات وآداب – لندن
عذراً التعليقات مغلقة