فقه الانقلاب والثورة في العالم العربي

28 يوليو 2021
فقه الانقلاب والثورة في العالم العربي

عبدالواسع الفاتكي

كاتب من اليمن


منذ اندلاع أحداث 2011م، شهدت أغلب الجمهوريات العربية وضعا مضطربا مخضبا بالدماء ، ودوامة العنف والتهجير ، والانهيار الاقتصادي ، الذي وسع من دائرة الفقر والجوع ، كما انقسم النظام السياسي العربي لقسمين : مؤيد للحراك الجماهيري ؛  نكاية بالأنظمة الحاكمة المثار ضدها ، ومعارض خشية انتقال عدوى إسقاط الأنظمة لبقية البلدان العربية ، الأمر الذي ألقى بتبعاته على الشارع العربي ، في البلدان التي شهدت انتفاضات شعبية ، هي في حسابات المناصر لها ثورة وعند المعارض انقلاب ،

ومن ثم تحول الشارع وجماهيره لأداة بيد المتصارعين ، وتوسعت دائرة الاستقطاب ؛ ليتحول الجميع لمنفذي رغبات الخارج ، بل أحجار شطرنج في ميدان تصفية الحسابات بين اللاعبين الكبار .اشتدت حدة الأزمة بين النظام الحاكم ومناصريه والمعارضة ومؤيديها ، في بعض البلدان العربية كاليمن وسوريا وليبيا ، لتصل لحرب أهلية ، ذات أبعاد ومطامع خارجية ، بينما في بقية البلدان كتونس مثلا تراجع النظام الحاكم للوراء قليلا ، ليبدأ صراع من نوع آخر بمخالب جديدة ، وبدأ كل فريق يستخدم أدواته في الاستيلاء على أكبر قدر من المكاسب السياسية ؛ تضمن له السيطرة على مفاصل القوة ؛ لتحميه من أي إنكسار .ت

شكلت سلطات جديدة مهجنة بين نظام حاكم ومعارضة ؛ فزاد الفساد ، وبقيت أحلام الناس في التغيير للأفضل في علم الغيب ، بل زادت أوضاع الناس سوءا ، وفي ظل هذه الأجواء فقدت القوى المطالبة بالتغيير مصداقيتها، وأصيبت في مقتل، ليجد المواطن العربي نفسه ، لم يستفد شيئا بمشاركة قوى التغيير في  السلطة أو وصولها لسدة الحكم، ما هيأ الظروف وجعل جزءا من الشارع العربي ، يقبل ويؤيد أي مخرج من دوامة الاحتقان والفوضى ، ولو كان على حساب الحد من الحقوق والحريات ، فالشارع العربي أرهق ، ولم يعد بمقدوره تحمل مزيد من تنازع السلطات ، بين قوى متصارعة همومه خارج دائرة اهتمامها ، ولا يعني لها شيئا إلا بمقدار ما تستفيد منه ، في إثبات حضورها والضغط على الخصم .

البنى الفكرية والحوامل السياسية ، التي تحرك وتقود ما يسمى بالثورة أو الانقلاب في العالم العربي ، همها الوحيد استغلال حاجات الناس والوصول للسلطة ، دون أن تمتلك مشروعا يخدم الناس دون أي تمييز ، ودون أن تقدم خطابا مطمئنا للمجتمع بكافة أطيافه ، متعللة بظروف داخلية ومؤامرات خارجية ، لقد أضحى المشهد السياسي العربي بشقيه الثوري والانقلابي أدوات للخارج ، لا أقل ولا أكثر ، وحواضنه الفكرية والسياسية ذات نزعة إقصائية ، تستغل الفراغات الاقتصادية والتصدعات المجتمعية والسياسية ؛ لتهييج الجماهير خلفها ؛ للحفاظ على مصالحها ،لنكتشف بالأخير أن الجماهير في نظر الثوريين أو الانقلابيين أوراق ضغط ، لا غير ؛ للحفاظ على كيان القوى المتصارعة  بشقيها الانقلابي والثوري .

ليست المشكلة في مسمى الثورة أو الانقلاب ، ما يراه البعض ثورة يراه الآخر انقلابا ، والعكس صحيح ، المشكلة تكمن في الفكر الذي يقود الثورة أو الانقلاب ، في الأهداف التي تحركه ، والغايات التي يريد الوصول لها، وفي موقفه من الإنسان كان مؤيدا أو معارضا .أصبح من الضروري أن تراجع القوى المتصارعة حساباتها ، وأن تعلي من مصلحة الشعوب العربية ، بدلا من تسجيل أهداف في مرمى الخصوم ، وأن تقدم تنازلات ، تحافظ على كيانها السياسي ، أفضل من حصولها على مكاسب سياسية آنية ، ستخسرها في أول اختلاف مع شركائها في السلطة .

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    الاخبار العاجلة
    WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com