إبراهيم أبو عواد
/ كاتب من الأردن
وُلد الشاعر الأمريكي عِزرا باوند ( 1885_ 1972) في ولاية آيداهو في المنطقة الشمالية الغربية من الولايات المتحدة . وكان طِفلًا وحيدًا لعائلته ، وكان والده يَعمل مُسَجِّلًا في مكتب الأراضي العامة .
درسَ الأدب المقارن في جامعة بنسلفانيا في الفترة ( 1900_ 1905) . ولكنه غادر أمريكا إلى أوروبا عام 1908، لأنه كان عاجزًا عن التأقلم مع المجتمع الأمريكي .
تزوَّجَ باوند مِن دورثي شكسبير ابنة العشيقة السابقة للشاعر وليام بتلر ييتس. وقد أسهم ييتس وباوند في بدايات الحداثة الإنجليزية ، وانخرطا في حركات عديدة أثَّرت في مستقبل الشعر الإنجليزي .
ترك باوند إنجلترا مع بداية الحرب العالمية الأولى . وبحلول عام 1924 كان باوند قد استقرَّ بصفة دائمة في إيطاليا مع عائلته . وخلال الحرب العالمية الثانية ، كان أحد أشهر مُؤيِّدي نظام موسوليني ، بَل وكان مُنَظِّرًا لدول المحور ( ألمانيا ، إيطاليا ، اليابان ) . لذلك لَم يكن غريبًا أن تُلْصَق بِه تهمة الخيانة لبلده الأم أمريكا بسبب كتاباته وخطاباته الإذاعية .
وفي نهاية المطاف ، قَبضت عليه قُوَّات إيطالية مُسانِدة للحلفاء ، وتَمَّ تسليمه إلى الولايات المتحدة التي حاكمته بتهمة الخيانة، لكن المحكمة قضت بأنه غير مُذنِب لأنه مجنون . وعِندها ، عارضَ الكثيرون هذه الفكرة، وأُعيد النظر في قضيته، وحُكم عليه بالسجن 12 عامًا في مُستشفى إليزابيث للأمراض العقلية .
وبعد إطلاق سراحه بضغوطات مِن كُتَّاب العالَم ، عاد إلى إيطاليا ، حيث عاش حتى وفاته عام 1972. وعِندما سُئِل عن رأيه في بلده بعد إطلاق سراحه رَدَّ قائلًا : (( أمريكا مستشفى مجانين كبير ! )) .
كان شاعرًا وموسيقارًا وناقدًا أدبيًّا من الطراز الأول . وقد انضمَّ إلى الحركة الحداثية للشِّعر الأمريكي في بدايات القرن العشرين . وكان لا يزال ينتمي آنذاك إلى الحركة التصويرية ، وهي حركة أدبية انخرطت في التجريب الشِّعري عن طريق استخدام لُغة غنائية ، وكانت مُتأثِّرة بآداب الشَّرق الأقصى والشِّعر الياباني على وجه الخصوص .
التقى باوند أثناء الحرب العالمية الأولى بالشاعر الكبير وليام بتلر ييتس في أيرلندا، وأصبح سكرتيرًا له ، وبعدئذٍ تعلمَ اللغة اليابانية، واهتمَّ بالشعر الغنائي السائد في الشرق الأقصى .
وفي عام 1915، بدأ بكتابة رائعته الأدبية ” كانتوس ” أي : أناشيد . وقد اشتغل عليها طيلة حياته كلها . وقد نُشرت هذه الكتب باسم بيسان كانتوس (1948). ومُنحت له جائزة بولينجن في عام 1949 مِن قِبَل مكتبة الكونغرس ، مِمَّا أثار جَدلًا هائلًا. و يرجع ذلك بشكل كبير إلى الحملة التي قام بها زُملاؤه مِن الكُتَّاب . وكتب همنغواي: (( أفضل ما كتبه باوند، وهو الكانتوس، سيستمر ما دام هناك أي أدب )) .
كان باوند يبحث عن البدائية والعفوية والبراءة والصِّدق في شِعر الأمم التي لَم تُفْسِدها الحداثة الصناعية ، كما حدث لمجتمعات أوروبا وأمريكا . والفكرة الأساسية لديه هي أن العلاقات الكائنة بين الأشياء أهم مِن هذه الأشياء بالذات . ولكن ليس كل الناس يَرَوْنها . وَحْدَه الشاعر الكبير يراها .
يُعتبَر باوند من أعظم شُعراء الحداثة في تاريخ الأدب الإنجليزي . ولا يُمكن إنكار تأثيره على الشِّعر . وكان مِن أوائل مَن استخدموا الشِّعر الحر . كما لعب دورًا عظيمًا في اندلاع الثورة الشِّعرية الحديثة التي أثَّرت على الأدب الإنجليزي كُلِّه في القرن العشرين .
وتمرُّده الشِّعري كان مُتوازيًا مع تمرُّده النفسي والشخصي . فقد اشْتُهِر باحتقاره للعادات والتقاليد السائدة في المجتمع ، ومَيْله إلى الاستفزاز والخروج على المألوف .
وكان باوند يعتقد أن الأموال الضخمة التي جمعتها الكنائس المسيحية ينبغي أن تُوزَّع على الفنانين والشعراء والفلاسفة والعلماء الذين يكتشفون قوانين العالَم ، ويُقدِّمون خدمات جليلة للبشرية . فهم أحق بها من المطارنة والكرادلة والباباوات والإقطاعيين العاطلين عن العمل .
وكان باوند مِن أتباع الفيلسوف الصيني كونفوشيوس ، وقد اعتقدَ أن الدولة الفاشية التي أسَّسها موسوليني في إيطاليا هي تجسيد للدولة المدنية التي حَلُمَ بها كونفوشيوس .
عذراً التعليقات مغلقة