د علي الخشيبان
تصفير المشكلات قضية حيوية ليس للطرفين الإيراني – السعودي، بل هو قضية حيوية تنتظرها المنطقة وعلى إثرها ستحل الكثير من المشكلات السائبة في المنطقة، فالمصالح المشتركة بين الطرفين ستغير بالتأكيد الكثير من قواعد المعادلة في الشرق الأوسط..
تبدو صياغة الفكرة السياسية حول إمكانية التوافق السعودي الايراني مفتوحة على مصراعيها استناداً الى معطيات تاريخية تعكس علاقات متنافرة سادت في مراحل كثيرة من تاريخ المنطقة منذ ثمانينات القرن الماضي، ولن يكون من السهل الحديث عن فكرة التوافق السعودي الايراني دون بحث في المعطيات التاريخية التي تشكلت وفقها العلاقات السعودية الايرانية، ولكن من المؤكد ان الخطوة التوافقية ستكون تاريخية وسوف تغير الكثير من سيناريوهات المنطقة بأكملها، كون السعودية وايران يمتلكان تأثيراً مهماً على الخريطة السياسية، ولن يكون من المبالغة القول إن صورة المنطقة خلال الاربعة عقود الماضية كانت ومازالت تحت تحكم هاتين الدولتين.
امكانية التوافق السعودي الايراني تأتي أن تنافس الدولتين لم يدخل في مسار مذهبي ولم تسمح السعودية بشكل خاص بتأويل تنافسها السياسي مع ايران وفق منطلقات مذهبية، ولذلك فإن الفكرة الاكثر رسوخا حول صيغة التنافس السعودي الايراني هي فكرة التنافس الجيوسياسي، وهو حق مشروع وقابل للتحول وخاصة أن التنافس الجيوسياسي دائما ما يتأثر بالمعطيات الاقليمية والدولية، وليس هناك من شك بأن التحولات الاقليمية لعبت دوراً مهما في تغيير الكثير من ظروف المنطقة وزوياها المهمة، فالمنطقة ومنذ العام 2016م شهدت الكثير من التحولات المهمة وخاصة تلك المرتبطة بالموقف الامريكي من السلاح النووي الايراني في حالتين متناقضتين حيث انسحب الرئيس الامريكي ترمب من المعاهدة التي وقعها اوباما ومن ثم عاد الرئيس بايدن لمحاولة العودة الى الاتفاق من جديدة مع ايران.
التحول الاكثر تأثيرا على الصورة الجيوسياسية في المنطقة كانت التواجد المقرب لإسرائيل من منطقة الخليج، وقد شكل التواجد الاسرائيلي معادلة مربكة للمنطقة مهما كانت مبررات هذا التقارب، وخاصة ان تحالفات المنطقة سوف تضطر الى تغيير عناصرها وفي بعض الاحيان سوف تضطر الى تغيير اتجاهاتها، ومع أن ايران تتوغل في كثير من الدول العربية وهو الشيء الذي لا تفعله المملكة، فإن الجانب الايراني وفي ظل صياغة جديدة لتحالفات المنطقة وتحولات العالم ستكون إيران بحاجة ماسة إلى ان تعيد صياغة علاقاتها مع بلد مؤثر مثل المملكة، ولذلك فإن أي تصالح ستكون آثاره كبيرة جدا على المنطقة وهذا التصالح سيكون بمثابة اللكمة القاتلة للكثير من مشاهد النزاعات التي اعتمدت على التنافس السياسي والمذهبي.
من المؤكد ان حدة الاستقطاب السني الشيعي سوف تتغير وخاصة ان التوافق السعودي الايراني سوف يبنى على منهجية تقديم المصالح المشتركة، عمليا لا يبدو أن هناك ملفات شائكة تصعب مناقشتها حيث لا يوجد تماس مباشر بين الدولتين، وهذا ما يعطي الفرصة الاكبر لمناقشة القضايا بمسارات واضحة، وظهرت الاشارات الاولى من الجانب السعودي والرغبة لوضع حد للعلاقات المتوترة مع إيران عندما صرح سمو ولي العهد في مقابلة صحفية بالقول إن “إيران دولة جارة، وكل ما نطمح له أن تكون لدينا علاقة طيبة ومميزة معها ونريد أن تكون إيران مزدهرة، لدينا مصالح معها ولديهم مصالح معنا”، وتحدث سموه عن “تصرفات ايران السلبية فيما يخص البرنامج النووي والصواريخ الباليستية ودعم ميليشيات خارجة عن القانون” ولكن سموه قال بوضوح بأنه يتم العمل لإيجاد حلول للإشكاليات وتجاوزها”.
كان شهر ابريل الماضي بداية مهمة لكسر الكثير من الحواجز من خلال البدء في محادثات اجراها الطرفان وعبرت كل دولة عن تقديرها الكبير لتلك البداية المهمة وابدت ايران رغبتها بفتح مسار الحوار والعمل على تذليل الصعوبات، وخاصة ان هناك من يراهن انه من الصعوبة ان تحل الصداقة بدلا من التخاصم في العلاقات السعودية الايرانية، ولكن على الجانب الآخر هناك ظروف جيوسياسية وتحولات اقليمية ودولية تفرض ان تكون لغة المصالح هي اللغة المطلوبة لصالح البلدين، وخاصة ان السعودية تشكل فرصة كبرى ومهمة لإيران كون السعودية محورا مؤثرا وفاعلا في المحيط الاقليمي، كما ان إيران التي تتضرر اقتصاديا منذ عقود لم تعد قادرة على تحمل المزيد من الضغوط الاقتصادية بعكس السعودية التي تتمتع بمساحات اقتصادية ليس فيها اي شكل من القلق السياسي.
تصفير المشكلات قضية حيوية ليس للطرفين الايراني السعودي، بل هو قضية حيوية تنتظرها المنطقة وعلى إثرها ستحل الكثير من المشكلات السائبة في المنطقة، فالمصالح المشتركة بين الطرفين ستغير بالتأكيد الكثير من قواعد المعادلة في الشرق الاوسط، لذلك فالتقارب السعودي الايراني عملية سياسية كبيرة ونجاح هذا التقارب سيعيد الكثير من الحسابات وسوف يغير من معايير ومعطيات التعامل السياسي مع المنطقة، وخاصة مع التحولات الدولية وقرب مغادرة امريكا للمنطقة مما يعني أن على دول المنطقة ان تتعامل وفقا لمصالحها ومعطياتها السياسية لضمان الاستقرار والاحتفاظ بالتأثير السياسي وترسيخه.
الرياض
عذراً التعليقات مغلقة