السِّياسي والثقافي في الحملات الانتخابية.. بقلم نجيب العوفي

6 سبتمبر 2021
السِّياسي والثقافي في الحملات الانتخابية.. بقلم نجيب العوفي


نجيب العوفي

نجيب العوفي

ناقد أدبي وكاتب من المغرب

يبدو أن إشكال العلاقة بين السياسي والثقافي ما يزال قائما ودائما في المشهد المغربي، منذ طلائع الاستقلال إلى الآن .. وكأنه قدر مقدور وسُنّة سياسية مؤكّدة .

إن الدولة المغربية الموقرة على تعاقب حكوماتها وبرامجها ووجوهها ، لا تبالي في حساباتها السياسية بالشأن الثقافي ولا توليه أهمية وعناية ، إلا على سبيل تلميع الديكور .. 

ويكفي دليلا أوليا وماديا على ذلك، أن ميزانية الثقافة دائما، في أسفل الدركات وأبخس الدرجات . 

وما يُصرف على مهرجانات اللهو واللغو والإشهارات البليدة التي ملأت البلاد طولا وعرضا بدارجة مغربية رديئة و”عرنسية ” مُرقعة ، أغْدقُ بكثير مما يُصرف على ” الشؤون الثقافية ” الجادة .

وأن المثقف باستمرار، وبخاصة الملتزم الناقد للأحوال، مَقْصيٌ تماما من اعتبار الدولة ومنظور إليه كشوكة في جنبها، إلا الذين يُماشون ويحشُون ويُعشون.. حسب تعبير الشاعر المصري الغاضب والمغضوب عليه، أمل دنقل . 

مما أعاد إلى المشهد صورة المثقف الإمّعة أو صورة مثقف أو شاعر البلاط التاريخية، في نُسخ  جديدة منقحة ومزيدة . 

ولا يختلف أمر الاحزاب السياسية عن الحاضنة الأم / الدولة .

إن الثقافة، في منظور الدولة والأحزاب السياسية، على اختلاف مشاربها ومنازعها، هي “فُضْلة ” أو” نافلة ” .. أو بالعبارة العامية “خُضرة فوق الطعام ” .. علماً بأن هذه الخضرة من الناحية الموضوعية والغذائية ، أهمّ ما في الطعام .

لكنْ ، على قلوبٍ أقفالها .

الشجر العالي أول ما تستهدفه الريح العاتية

ولعل الواقع الاجتماعي والأنتروبولوجي – التاريخي المغربي في حدّ ذاته ، مُشجّع على هذه الثنائية- لإشكالية بين السياسي والثقافي ومنسجم معها . وأفكّر هنا بخاصة في أطروحات الباحث عبد الله حمودي . 

فالأمّية الالفبائية ضاربة أطنابها تاريخيا في هذا الواقع . تُضاف إليها الأمية الثقافية ، والأمية السياسية .

وتبقى الفُرجة الكُروية والغنائية والترفيهية هي الشأن ” الثقافي ” الشاغل للمجتمع المغربي، ونافذة الإغاثة الأساسية لتصريف كُروبه وهُمومه .

وعلى رأي التعبير المصري الشهير ( الجمهور عايز كده ) ، لأن الدولة المدبّرة لأحوال الناس ( عايزة كده .)

ودع القوم في سُباتهم ولهْوهم ولغْوهم يعْمهون . وسُباتُ قوم عند قوم فوائد .

من هنا هذه الجفوة المُزمنة بين المثقف والدولة من جهة ، والمثقف والحزب من جهة ثانية.. إلاّ فيما ندر.

وأستثني هنا بعض الأحزاب التاريخية والحداثية ، التي نشأت في كنف المثقفين واعتبرت الثقافة مكوّنا أساسيا وركنا ركينا في كل تنمية وتطوير وتغيير . وتصدُق في حالها ومآلها عبارة (كان أبوك صالحا.)

هذا من منظور بانورامي عام .

ويبدو أن حال المجالس المحلية ، الحضرية والقروية ، المنبثقة عن الانتخابات ، أدهى وأنكى .

فمعظم منتخَبي وأعضاء هذه المجالس أمّيون أو أشباه أميين ، لا علاقة لهم اطلاقا بالثقافة ولا يدور هاجسها بخَلدهم .

إن هاجسهم الأول والأخير سياسوي شعبوي مصلحي انتهازي ، إلاّ من رحم ربّك . إلاّ مِن نوايا طيبة تغرّد خارج السرب .

والجحيم كما هو معروف ، محفوف بالنوايا الطيبة .

وحال هؤلاء المنتخبين معروفة لدى كافة المواطنين ، الذين يجْأرون بالشكوى المستمرة منهم ، من طنجة إلى الكويرة ومن وجدة إلى الصويرة .

فكيف يصلح حال الثقافة تُرى ، مع هؤلاء ؟

وهل يصلح العطّار ما أفسده الدهر ؟

هل يكون حاميها حراميها ؟

إن آخر ما تفكر فيه المجالس المنتخبة ، في أجندات مشاغلها ، هي الثقافة .

واسألوا الجمعيات والنوادي الثقافية في هذا .. تأتِكم بالخبر اليقين .

إن المسألة الثقافية في المغرب ، كالمسألة التعليمية ، إشكال بنيوي عويص ، وهمّ مؤجّل ومهمّش دائما .. يحتاجان إلى نوايا جادة وصادقة وعزائم وإرادات مقتدرة واثقة وبرامج ومشاريع استراتيجية علمية واضحة المسالك والمقاصد .

يحتاجان بعبارة، إلى مراجعة نقدية جريئة لا هوادة فيها تستأصل الأورام الخبيثة من الجسم السياسي المغربي .

لكن الإشكال المُزمن كامنٌ هناك ، في دهاليز وكُهوف الدولة العميقة التي تُواكبنا وتحرسنا آناء الليل وأطراف النهار ، وتوجّه دفّة الأمور بكامل الحرية والاختيار.

وغير خافٍ، أن كل إقلاع أو مشروع تنموي بعيد المدى لا ينهضان على دعامتي التعليم والثقافة، لن يستقيم مسارهما وتُرجى ثمارهما ، بحال من الأحوال .

ويوم يعود الرّشد الثقافي إلى بلادنا ، سيعود معه لا محالة ، الرشد السياسي .

وآنئذ يمكن الحديث عن مكانة الهمّ الثقافي ، في البرامج السياسية – الانتخابية .

آنئذ يمكن الحديث ، عن سياسيين – مثقّفين .

وعن دولة ” مثقفة ” و “حضارية ” . 

وهو حلم لا يأتي إلاّ في الكَرى .. من قبيل الذي يأتي ولا يأتي .

إلى ذلك الإشعار الخفيّ والعصيّ ، ستظلّ دار لقمان على حالها .

أقول قولي هذا . . وأرجو السلامة وحُسن العُقبى لبلدي .

مقال خاص لملحق ثقافات وآداب – صحيفة قريش – لندن

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    الاخبار العاجلة
    WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com