د فدوى أحماد
كاتبة من المغرب
جائحة كورونا ولدت أزمة عالمية لم يعرفها الناس منذ سنة 1929 و1945 و 2008.
السنة الأولى متعلقة بالأزمة الاقتصادية، والسنة الثانية ذات صلة بالحرب العالمية الثانية، وأما السنة الثالثة فمرتبطة بما عرفته بلدان العالم من أزمة اقتصادية.
إن الجائحة الكوفيدية المتحور الجديد خلفت أزمات صحية واقتصادية ونفسية غير مسبوقة..كما فرضت علينا أنماطا من التفاعل والتشكيل الاجتماعي نتيجة فرض الوقاية والعزل والتباعد بهدف تأمين حيوات الأفراد والكتل البشرية من خطورة الجائحة.
وبعد الموجة الرابعة من الجائحة والتي عرفت ارتفاعا مهولا من عدد الاصابات والوفيات ، مما أدى إلى فرض مجموعة من الاجراءات الاحترازية واقتناع الجميع بضرورة تلقي اللقاح من أجل العودة إلى الحياة الشبه الطبيعية تدريجيا.
لكن الجائحة رسمت أنماطا حياتية وأشكالا سوسيواقتصادية مفروضة في العديد من بلدان العالم..ومما زاد الأمر تعقيدا هو أن البشرية محكومة بسياقات العولمة، وهذه السياقات العولمية في هذه الظرفية الحرجة انبثقت عنها بدورها أزمات عرفتها مقاولات وقطاعات اقتصادية مما كبدها خسائر كبيرة؛ خاصة المقاولات المتوسطة والصغرى في البلدان الكبرى، فبالأحرى في الدول السائرة في طريق النمو والتي تتسم قطاعاتها بعدم الهيكلة نتيجة عدة أمور منها:التوقف عن العمل،تسريح العمال، تقليص ساعات العمل،التباعد الاجتماعي..
ومن الوجهة الاجتماعية فإن هذا الوضع الوبائي في بلدنا لم يسلم من سيطرة وسائل التواصل الاجتماعي وأدوات الاتصال الحديثة، لكن الجدير بالملاحظة والإبراز هو أن الأغلبية الواسعة من المواطنين أصبحوا عبيدا لعوالم افتراضية زاخرة بالخواء أو التفاهة..وهذا خطر كبير تنقله إلى أدمغة الأجيال الجديدة هواتف ولوحات إلكترونية وتلفزيونات ناقلة ..مما يكون له أثر خطير على التنشئة التربوية والاجتماعية السليمة، إذ أن غالبية المستهلكين لهذه الأنماط التواصلية أصبحوا يعانون من إدمان ناقل لكل أنواع الشر خاصة شر التطرف..
وبالرغم من أن هناك فئة من المواطنين المالكين لرصيد ثقافي ووعي بمخاطر هذا الواقع الجديد إلا أنهم وجدوا أنفسهم ضحايا حروب غير منتهية من أجل الدفاع عن هويتهم وثوابت وجودهم في غياب استراتيجية جماعية تتملكها الدولة وتُسلِّح بها المجتمع عبر مؤسسات التنشئة الاجتماعية ووسائل الإعلام للوقاية والتمنيع من أنماط الخطر المعلوماتي اللامتناهي.
إن هذا المد الخطير لما يبث من شرور يهدد نظام المواطنة المنشدة إلى نظام قيمي ويبدد النظام الأسري السليم ، فالأسرة لم تعد بنيانا متماسكا متكافلا بل أصبحت مجموعة أشخاص كل واحد يعيش عزلته أمام شاشة أو حائط وهو في تواصل افتراضي لا يجلب المتعة ولا يبني عاطفة ولا يؤسس لنقاش ولا يستمتع بكتاب ولا يسامر جدا أو جدة..
إن الأدهى والأخطر هو أن المجتمعات السائرة في طريق النمو لا تنتج التكنولوجيا ولا المعرفة بقدر ما تصبح ضحايا لصناع الرأي ومُوجهي الجماهير و لتطبيقاتهم الذكية..
إن الجيل الجديد له عوالمه الخاصة وأحاسيسه الذاتية ولكنه ضحية خطة محبوكة لا نعرف نتائجها النهائية ولكننا مدركون بأن نظامنا المعرفي والقيمي موسوم بالهشاشة..ومن مخلفات هذا السحق الحضاري ارتفاع نسبة الجرائم و الأمراض النفسية و الإدمان بكل أنماطه و ارتفاع عدد الأمهات العازبات وتفشي جرائم اغتصاب الطفولة وتدني الشعور بالانتماء للوطن وثوابته، فضلا عن تنامي ظواهر الانتحار والطلاق والسرقة..
وبعد،فهل لنا مخرج من هذه الورطة؟
كيف نفكر؟
بماذا نفكر؟
إن اللطف الرباني مطلوب لكن التماس الأسباب للنهوض من الغفلة هو أعز ما يطلب.
مقال- على ضفاف الرأي- خاص لصحيفة قريش– لندن
عذراً التعليقات مغلقة