حسين أحمد آل درويش
لا شك أن – الكاريزمية – ارتبطت في عقول الكثيرين من الناس ، بشخصيات مرموقة ومشهورة على الإطلاق في المجتمعات الإنسانية ” كالشخصيات التاريخية والدينية والسياسية وغيرها ” وأنقى وأفضل صورها تتجلّى في شخصيات الأنبياء والأئمة الأطهار ( عليهم أفضل الصلاة والسلام ) فالكاريزمية هي القدرة في التأثير على قلوب الناس وإثارة فضولهم وتحريك عقولهم وتفكيرهم .. وتتمثل الكاريزمية كذلك في القدرة على استغلال الفرص المتاحة و المناسبة حتى ولو في الظروف الصعبة والقاسية ، واستثمار كافة القدرات والكفاءات الموجودة ، لتعطي انطباعات قوية ومؤثرة للغاية ، تاركة بصماتها وانجازاتها العملية والعلمية محفوظة وشاهدة على مر العصور .
والكاريزمية النقية الطاهرة والتي تظهر فيها درجات تأثير الشخصية على الآخرين ، والتي بتعزيزها وتمكينها تستطيع أن تخلق لنفسها هالة كاريزمية غير طبيعية على الإطلاق ، تحيط بشخصيات الآخرين وتؤثر بهم .
ولـنا في رسول الله (ص) أسوة حسنة من خلال تعامله مع الناس وخاصة أعدائه وخصومه ، إذ تكشف لنا مواقفه الإنسانية الشامخة التي جسدها (ص) على الواقع العملي .
يقول الله تعالى في كتابه الحكيم: { لقد كان لكم في رسول الله أسوةٌ حسنةٌ لمن كان يرجوا الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرًا } (1).
ويخاطب الله رسوله (ص) في القرآن الكريم بقوله عز من قائل : { فبما رحمةٍ من الله لنت لهم ولو كنت فظًّا غليظ القلب لانفضّوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكّل على الله إن الله يحب المتوكّلين} (2) .
لقد آذى المشركون رسول الله (ص) بشتى أنواع الأذية وحاولوا – دائمًا – تشويه سمعته وتحطيم مكانته الشريفة مع كل هذا تحملها في سبيل الله تعالى صابرًا محتسبًا ، وكان من التّهم التي أثارها المشركون على رسول الله (ص) ، لينفروا الناس عنه ، أن رموه بالجنون ، وأنه أصابه مسّ من الجن ، فما يدعيه من الرسالة والنبوة هو نتيجة اختلال عقلي ونفسي والعياذ بالله .. يقول الله تعالى في كتابه العزيز : { ويقولون إنه لمجنون * وما هو إلا ذكرٌ للعالمين } (3).
لقد تعامل رسول الله (ص) بحكمة ودراية ، وبنفس طويل ، وصبر عميق ، ومارس معهم سياسة الاحتواء والاستيعاب ، وعدم اللجوء إلى القوة والقمع ، رغم استفزازهم وجرائمهم ، فلم يتعامل معهم كأعداء محاربين ، ولم يقتل منهم أحدًا ، ولم يسجن أحدًا ، ولم يجلد أحدًا ، ولم يطرد أحدًا ، ولم يصادر أيّ حقٍ من حقوقهم المدنية ..وخاصةً مع أولئك الذين ينتمون إلى طبقة الأثرياء والنافذين ، وكانوا من ذوي الثروة والنفوذ ، أو الطامحين للزعامة والسيطرة بالقوة سواء بالمال أو بالسلاح ، والذين لم تلين قلوبهم إطلاقًا وأبدًا للإسلام المحمدي الأصيل .
لكن ما يثير الدهشة والاستغراب هو سعة صدر رسول الله (ص) وحلمه ، وعظيم احتماله وصبره ، لكل إساءاتهم الخطيرة ، وممارساتهم العدوانية والإرهـابية .
كان رسول الله (ص) يبذل لهم الإحسان ، ويحوطهم بمداراته ، ويشملهم بكريم أخلاقه العالية ، ويحتويهم ويستوعبهم في دولته المباركة ، ويضمّهم بكلّ رحمةٍ ورأفة ٍوقلبٍ كبير ، لقد أذعن واعترف به الصديق والعدو معًا بذلك . فكان أسوة في الصدق والأمانة حتى لُقّب بالصادق الأمين ، فقد آمن به الكثير من الناس تأثرًا بأخلاقه العظيمة ، فكانت أخلاقه (ص) من أهم الركائز والمبادئ الأساسية التي قامت عليها حركته الرسالية وانطلقت نحو الإنجاز العظيم .. وكما وصفه الله تعالى في كتابه العزيز : { وإنّك لعلى خُلقٍ عظيم ٍ} (4).
ولقد اختار أحد الكتّاب الغربيين في كتابه ( الخالدون المائة ) الرسول الأعظم (ص) في المرتبة الأولى من عظماء التاريخ البشري ، كما واعتبره أعظم شخصية في تاريخ العالم ، بما حققه من نجاح عظيم في إبلاغ رسالته ، وتأسيسه لدولة إسلامية كبيرة .. يقول الدكتور ( مايكل هارت ) أستاذ الرياضيات والقانون والفلك والفيزياء في الجامعات الأمريكية وخبير هيئة الفضاء الأمريكية : ” لقد اخترت محمدًا أول هذه القائمة ، ولابد أن يندهش كثيرون لهذا الاختيار ومعهم حق في ذلك ، ولكن محمد هو الإنسان الوحيد في التاريخ الذي نجح نجاحًا مطلقًا على المستوى الديني والدنيوي ، وهو قد دعا إلى الإسلام ونشره كواحد من أعظم الديانات وأصبح قائدًا سـياسيًا وعسكريًا ودينيًا وبعد ( 13 قرنًا ) من وفـاته ، فإنّ أثـر محـمـد ( ص) ما يـزال قـويًـا متـجـددًا “ (5).
______________________
الهوامش والمصادر :
- سـورة الأحزاب ،الآية الكريمة : ( 21) .
- ســـورة آل عمران ،الآية الكريمة : (159) .
- ســـورة الـقـلم ، الآية الكريمة : (52-51) .
- ســـورة الـقــلم ، الآية الكـريمة : ( 4 ) .
- ولأول مرة في تاريخ العـالم : ( ج1 ص 8 , المقدمة ) .
عذراً التعليقات مغلقة