شوارع الرابعة فجراً.. نص قصصي للكاتب الجزائري عبدالحق ملوك

29 أكتوبر 2021
شوارع الرابعة فجراً.. نص قصصي للكاتب الجزائري عبدالحق ملوك

عبدالحق ملوك

عبدالحق ملوك

كاتب من الجزائر

شوارع الرابعة فجرا

مقطع من نص روائي

كانتْ أيّاما تستحقّ النسيان، في كلّ ليلة ضبطتُ المنبّه على الساعة الثالثة صبحا، لكنّي كنتُ أنهض قبلَه وأجعلُه ينام بدل أن يجعلني أستيقظ، أرتدي حذائي البنّيّ المميز، لا تعتقدي أبدا أنّه هديّة من شخص يعني لي الكثير إنّما ما يميّزه هو وقعه الصّاخب الّذي لطالما أعطاني سلطانا على الصّمت، أتأنّق كأنّي أستعدّ لرؤيتك وأبرّج وجهي بابتسامة تافهة كمن يستعدّ لوداعك، كأنّك لم تكوني في حياتي سوى تلك اللّحظة الّتي تفصلُ بين اللّقاء والفراق…

أخرج إلى الشّارع الممتلئ بكلّ شيء سوى ضوء الشّمس والبشر، الصّمتُ يساعدني على التّفكير والتّذكّر وهذا ما لا أريده، إنّه الوقت المناسب لاستخدام كعب حذائي، أمشي بغرور واضح للأعين الّتي لا تراني وأدهس الأرض في مشية يشبه وقعُها عقربَ الثّواني وهو يضخّ الحياة في وجه السّاعة، غير أنّها ثوانٍ بالتّوقيت المحلّي لدقّات قلبي، تذكّرتُ الآن قولك بأنّ دقّات قلبي صاخبة ويمكنُ سماعُها إن توفّرت درجة مناسبة من الصّمت، أخبرتك بدوري أنّ قلبي يعتقد -ربّما- أنّه سجينٌ يمكنُ إنقاذه لذلك هو يصرخُ ما إن يشعر بوجودِ شخصٍ ما قربه، كانتْ مجرّد مزحة هدفُها إخفاء أنّي لا أرتاحُ في وجود الآخرين ولديّ رهاب من اقتراب النّاس منّي، كنتُ في تلك الحيرة الّتي تضعك في الحدّ الفاصل بين أمرين ليسَ بينَهما فراغ، أحببتُ قربك وأردتُ ابتعادك، بالنّسبة لي لطالما تغلّبت الإرادة على الحبّ…

كلّ الشوارع الّتي زرتُها في الرابعة فجرا هي غالبا شوارعٍ وطئتِها سابقا، أشعرني هذا بأنّنا نتقاسمُ شيئا مشتركا ولربّما وقع الحافر على الحافر رغمَ أنّ مقاس أثر خطوتكِ لا يناسبني، يمكنني إقحامُه قدمي على كلّ حال، أنا الّذي أقحمتُ دوما الأمور في غير مكانِها ولم أجدْ حرجا في إدخال مسمار مكانَ البرغيّ لتصليح الكراسي والإطارات… 

حتّى أنّي أقحمتُ أنفي في أمور لا تخصّني مؤخّرا ولستُ فخورا بإخبارك أنّي لم أجدْ عبقا ولا ريحا طيبة.

شوارع الرابعة فجرا دائما جميلة، حتّى الرّمال الحارقة الّتي تسقط أشعّة الشمس شاقوليا بعد بضع ساعات.

شوارع الرابعة فجرا تشبهني حينَ أصمتُ وتشبهك حين تشرق الشّمس.

شوارع الرابعة فجرا لا تحتاجُ منبّها إنّما تحتاجُ بالا مشغولا لا يطمئنّ للنّوم الطّويل..

شوارع الرابعة فجرا هي كلّ الأراضي الّتي أمكننا فتحُها معا ثمّ تقاسمناها، لي اللّيل ولك النّهار..!!

شوارع الرابعة فجرا ليست ليست للطّيور بل للخفافيش.

كنتُ أعود بعدها إلى البيت وأجلسُ أمام الحاسوب لأكتب أسرار شوارع الرابعة فجرا وقد وضعتُ لنفسي قاعدتين: ألّا أكتب كلّ شيء وألّا أكتبَ أيّ شيء! وفي آخر مرّة أردتُ لهذا أن ينتهي اشتريتُ منبّها تقليديا ومطرقة ونمتُ باكرا كي أنهض مجدّدا قبلَه وأحطّمه معلنا النّهاية، غير أنّي في تلك اللّيلة نمتُ وأيقظني..!!

 لم أستطع تحطيمَه لأنّه أصبح ذا فضلٍ عليّ لذلك لففته في ورق الهدايا وأرسلتُه إلى عنوانك ببطاقة كتبتُ عليها “هديّة من مجهول”.

كنتِ تدرين أنّي المرسل ولم تكن كلمة “مجهول” سوى اسمٍ آخر من أسمائي..

                      #إقتباس من روايتي القصيرة

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    الاخبار العاجلة
    WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com