ما علاقة الثلاثي: زفزاف والطوبي ومستظرف برواية رحيل الروح والجسد؟

10 أكتوبر 2021
ما علاقة الثلاثي: زفزاف والطوبي ومستظرف برواية رحيل الروح والجسد؟

سنوات بعد الرحيل

ما علاقة الثلاثي: زفزاف والطوبي ومستظرف برواية رحيل الروح والجسد؟

التوراني

عبد الرحيم التوراني

كاتب من المغرب

رأيتها أول مرة في بيت صديقي الراحل الكاتب محمد زفزاف لما زرته في بيته، وكان مريضا في بداية إصابته بالمرض الخبيث الذي أودى بحياته. ظننتها الخادمة. كانت بنتا قصيرة بشعر منفوش، تلبس سروال جينز أزرق باهت وقميصا أبيض، أخذت معطفها المعلق وراء باب الغرفة وانسحبت، بعد أن طمأنت الكاتب أن كل شيء رتبته كما يجب، وأنها لن تتأخر وستعود.

لما غادرت حدثني عنها محمد زفزاف. قال إنها ابنة الجيران. تسكن غير بعيد عن زنقة ليستيريل (حيث يقيم الكاتب الكبير). والدها يتاجر في الأثاث المستعمل. دكانه في الزنقة المجاورة.

وأخبرني أنها تساعده في البيت.

ثم حدثني عن روايتها “جراح الروح والجسد”، ومساعدته لها في مراجعة سيرتها الروائية وطباعتها، كما أن زفزاف قدم مليكة لناقد فرنسي زاره فكتب عنها. كانت الرواية لم تنشر بعد. وتحكي فيها قصة اغتصابها طفلة صغيرة.

ولم يذكر لي زفزاف المريض شيئا عن مرضها.

سأراها مرة أخرى رفقة صديقي المرحوم الشاعر محمد الطوبي، وكانا يجلسان معا بمقهى داخل معرض الكتاب الدولي بالدار البيضاء، سأعرف لاحقا أن علاقة حميمية جمعتهما لما تعرف صاحب “سيدة التطريز بالياقوت” على صاحبة “ترانت سيس” ذات مساء في بيت مؤلف “المرأة والوردة”. لكن زفزاف سيقطع لاحقا علاقته بالطوبي وبمليكة، ويمتنع عن استقبالهما في بيته، وعندما ذكرت مرة أمامه اسم محمد الطوبي تحدث عنه بعداء كبير.

***

بعد إصابتها بداء الفشل الكلوي، عجزت مليكة عن توفير المال للعلاج، فراسلت عددا من الأثرياء الذين تمكنت من الحصول على عناوينهم، كما كاتبت دواوين أمراء وملوك الخليج، بل إنها ستكتب لولي عهد بريطانيا الأمير تشارلز، أمير ويلز وولي العهد البريطاني، من أجل تمكينها من زرع كلية.

تعبت وداخت كثيرا من أجل أن تحصل على دعم لعلاجها وإنقاذها، ولما حصلت على أمنية حياتها من القصر لم تستطع الاستفادة من هذا العطف الملكي السامي، لأسباب بيروقراطية حالت دون تفعيل قرار الملك محمد السادس.

***

في أحد ايام سنة 2003، ببهو محطة القطار بمدينة الرباط، سأصادف صديقي الشاعر محمد الطوبي يتجول كالهائم، يتفرج على العابرين الرائحين والغادين. يرتدي معطفا ثقيلا أسود وسروالا رياضيا وادخل قدميه في جوارب صوفية وصندالة من جلد. أما الرأس فغطاه بطاقية لإخفاء نسل شعره بسبب السرطان. كان الهزال باديا على ملامحه ولم أتعرف عليه لو لم يقم هو بتوقيفي. أخبرني الطوبي أنهم يسمحون له أحيانا بمغادرة غرفته بالمستشفى الأنكولوجي مولاي عبد الله بالرباط، لذلك يستغل الفرصة للنزول إلى وسط المدينة. وقفنا أمام كشك الصحف والمجلات داخل المحطة (في صيغتها القديمة)،.سألني الطوبي عما أبحث عنه، فأخبرته أني أفتش عن العدد الأخير من مجلة “الآداب” البيروتية”، فرد علي أنه لم يصل بعد. وذكر لي أنه ينتظر نشر ديوان شعري جديد له سيصدر عن دار نشر في ليبيا.

ثم تفاخر بحصوله على العطف الملكي، فسألته عن مليكة مستظرف، فأخبرني أنها لم تستفد من شيء، رغم أن القناة الثانية قد أذاعت في إحدى نشراتها المسائية بلاغا صادرا عن الديوان الملكي، يقول إن الملك قد أنعم على الشاعر محمد الطوبي والكاتبة مليكة مستظرف بالاستشفاء على حسابه.

توفيت مليكة وفي نفسها ليس “شيء من حتى”.. كما يقولون، بل “حتى” كاملة…

***

في آخر حوار معها قالت مليكة مستظرف:”حلمي بسيط جدا، إني لا أطلب امتياز الصيد في أعالي البحار، ما أطلبه هو كلية لا يتعدى حجمها ستة سنتيمرات. أريد أن أزرع كلية وأعيش مثل بقية الناس، وآكل وأحيا مثلهم. لكني وجدت أن هذا الحلم كثير عليّ “.

انطفأت مليكة ابنة بائع الأثاث القديم في المعاريف، وذابت كشمعة. ذات مساء من بدايات شهر سبتمبر 2006.

بالإضافة إلى سيرتها الروائية الذاتية “جراح الروح والجسد” التي أصدرتها على نفقتها بإحدى مطابع القنيطرة بغلاف يحمل لوحة للشاعر محمد الطوبي، سيساعدها الكاتب أحمد بوزفور في نشر مجموعة قصص بعنوان: “ترانت سيس”، صدرت عن مجموعة البحث في القصة القصيرة، والعنوان يحيل على الاسم الشعبي لجناح المرضى النفسانيين بمستشفى ابن رشد في الدار البيضاء.

مقال خاص لملحق ثقافات وآداب – صحيفة قريش – لندن

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    الاخبار العاجلة
    WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com