البشير القريمدي
كاتب من المغرب
استيقظت هذا الصباح مثل باقي أغلب المرات بعد تسلل النور من فتحات ريدو النافذة وبفعل الضجيج الاعتيادي الذي يحدثه المتوجهون للعمل باكرا.
تهيأت للخروج وقصدت مركز التلقيح لتلقي الجرعة الأولى من لقاح الكوفيد. كان الجو في هذا اليوم رطبا وناعما، وكانت نسمات رياح الغربي تداعب وجهي وأنا في طريقي إلى مركز الشرف الملك فهد. حاولت أن أطرد من ذهني صور الأشخاص الذين تعرضوا لمشاكل صحية بعد تلقيهم اللقاح ، وكذا تلك الأخبار المتضاربة التي نسمعها هنا وهناك والتي تبث الرعب في النفوس وتجعلك تتيقن بأن النهاية آتية لا ريب فيها.
وصلت إلى المكان المعلوم، تفاجأت بالعدد الهائل من الناس المتواجدين في عين المكان متجمهرين بالخارج، تقدمت نحو الشرطي وناولته البطاقة فنظر إليها متفحصا وسلمني ورقة صغيرة كتب عليها الرقم 198 فتيقنت أن دوري لن يحين بعد، فقررت أن أغادر المكات وأعود بعد حين.
توجهت في الطاكسي “بياط” رفقة أربعة أشخاص آخرين إلى “المدينة” نزلت بالقرب من سينما موريطانيا وترجلت نحو البولفار قاصدا مقهى باريس التاريخي المقابل للقنصلية الفرنسية التي كان بابها خاليا من طالبي التأشيرة على غير العادة، طلبت من النادل كأس عصير البرتقال بما أنني مقبل على معركة السلاح فيها فيتامين س بدون منازع،
أفرغت الكأس في جوفي دفعة واحدة وفتحت رواية الأنجري وبدأت أقرأ عن الفقيه الذي حاول أن يخرج جنيا جاء من ألمانيا وقطع مسافات طويلة عبر طائرة خاصة ليسكن جسد الطفل يوسف الذي يقيم في مدشر الزميج بقبيلة أنجرة، وقد أسفرت محاولة الفقيه عن إخراج الجني وعودته الى الديار الألمانية حاملا معه صوت يوسف الذي أصبح أبكما بعدما أشبعه الفقيه ضربا بالهراوة على رأسه وسائر جسده !
تركت المقهى بعد ساعة وانعطفت جهة شارع المكسيك فقادتني قدماي إلى مكتبة الشباب حيث كنت أريد أن أشتري رواية هذا الموريسكي لابن سالم حميش وفي هذه اللحظة دخلت المكتبة شابة سألت الكتبي عن القرآن الكريم برواية ورش عن نافع. أحضر لها نسخة فتصفحتها وقالت: لا، لا، أبحث عن رواية ورش عن نافع عن طريق الأصبهاني.
ثم طلبت منه كتابا في تفسير القرآن فبدأ يعرض عليها مجموعة من التفاسير منها الدر المنثور في التفسير المأثور لجلال الدين السيوطي وفي ظلال القرآن لسيد قطب وتفسير ابن كثير و الطبري لكن يبدو أن الفتاة لم تعثر على ضالتها،
فتساءلت في نفسي : ترى هل تبحث الفتاة فعلا عن تفسير للقرآن أم أن الأمر لا يعدو مجرد استعراض لاطلاع على كتب دينية عديدة؟ وماذا لو كان يعيش بيننا نافع والسيوطي وابن كثير هل كانوا سيأخذون جرعتهم من لقاح صيني لا دين له!؟
وضعت رواية ذاكرة الجسد، التي كنت أقرأ فيها بعض الجمل من دون ترتيب، في مكانها ثم خرجت من المكتبة متوجها إلى شارع فاس ومنه عدت إلى مركز التلقيح حيث نادى الحارس الخاص على اسمي لأدخل المركز وأكتشف أن هناك مرحلة ثانية من الانتظار. في هذه الأثناء وصلتني رسالة عبر الواتساب يقول صاحبها إن اللقاح يسبب العقم والشلل والعمى وأنه غير مستعد للمغامرة بحياته. لم تكن لدي رغبة في مناقشته هذه القناعة واكتفيت بالقول أن الحياة نفسها مغامرة خاصة بشوارع طنجة حيث تسابق الطريبورطورات والفركونيطات الريح لنقل الأشخاص والبضائع في احترام تام لقانون السير الغابوي.
لما نودي على اسمي مقرونا بالقاعة رقم 1 أسرعت الخطى قبل أن تصلني رسالة أخرى أقرأ فيها أنه يسبب الفشل الكلوي وتساقط الشعر. أخذت حقنتي وغادرت المركز بعد أن أخذت موعد الجرعة الثانية والتي سترافقها بالتأكيد سلسلة أخرى من الأمراض الناتجة عن هذا الوحش الأسطوري..
المغرب
عذراً التعليقات مغلقة